louis vuitton
ugg online
التعريف بالمؤسسة
نشاط سالم يكن
بيانات ومواقف
الإخوان المسلمون
الحركات الإسلامية
الجماعة الإسلامية
فقهيات معاصرة
مراصد الموقع
أبواب دعوية
إستشارات دعوية
حوارات ومحاضرات
بأقلام الدعاة
مواقع صديقة
ملفات خاصة
اتصل بنا


  مرصد الداعية يكن | الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية "الحلقة التاسعة والعاشرة من الكتاب"  -  26/7/2011 تأليف الداعية فتحي يكن رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
مؤسسة الرسالة

الإهداء

إلى الأخوة الدعاة القائمين على ثغور الإسلام في كل مكان ..

إلى من أحب ..

أقدم بكل تواضع بعضاً مما أحب .. فأسأل الله القبول ..

وعلى الله قصد السبيل

فتحي


الحلقة التاسعة من الكتاب


تاسعاً : خدمة الآخرين وقضاء حوائجهم

ومن شروط نجاح الداعية في دعوته والتي تمكنه من النفاذ بدعوته في المجتمع الذي يعيش فيه قيامه بخدمة الآخرين والعمل على قضاء حوائجهم ...
فالدعوة ليست منبراً لعرض الأفكار والنظريات .. والداعية ليس (مذياعاً) يردد الأفكار المجردة فحسب .. بل إن الدعوة والداعية يجب أن ينتقلا نقلة نوعية تجعلهما يعيشان هموم الناس ويحملان بقسط وافر من هذه الهموم ..
وهذا الأمر ليس من قبيل الدعاية والمتاجرة والاستغلال كما هو الشأن لدى الجمعيات التبشيرية وغيرها وإنما هو مبدأ في صلب المنهج الإسلامي . لا يصلح الإسلام إلا به وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول :(( من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ))
في كثير من الأحيان تحول هموم الناس ومشكلاتهم بينهم وبين التلقي .. وتصبح هذه الهموم والمشكلات سداً منيعاً في وجه ما يردهم من أفكار مجردة ونظريات ومن هنا كان من واجب الداعية أن يبادر إلى إزالة العوائق من طريق دعوته وإلى فتح القنوات الموصلة لأفكاره إلى قلوب الناس وعقولهم ..
وإن كان صحيحاً أن الداعية لن يسع الناس بماله وجهده وخدماته ولكن ليس من الصحة في شئ اعتباره حائلاً بينه وبين قيامه بما يستطيع فالمطلوب منه ابتداء القيام ببذل ما يستطيع من جهد فإن قصر به جهد عوضه وأكمله بحسن الخلق .. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول ((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم)).
والإيمان نفسه يجب أن يدفع الداعية إلى أن يحب لغيره ما يحب لنفسه .. وهذا لن يكون إلا بالسعي في شؤونهم وقضاء حوائجهم ..
والأخوة الإسلامية نفسها والتي تقوم على الحب في الله لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع ويتحقق نقلها من حيز الادعاء إلى حيز التطبيق إلا من خلال المساعدة والمساندة والاهتمام والسعة وقضاء الحاجة ..
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبرأ من إنسان يبات شبعان وجاره جائع وهو يعلم فهو أكثر تبرأ من إنسان يقدر أن يرفع الظلم عن أخيه أو يقضى حاجته أو يفرج كربه أو يزيل همه ثم لا يفعل ؟؟
إن الداعية بحق هو الذي يعيش لسواه لا لنفسه ويكون ديدنه الدوران حول مجتمعه وحول المسلمين وليس حول ذاته .. وهو الذي يعمل على توفير الراحة للآخرين ولو على حساب راحته بل إن الداعية بحق هو الذي تسعده سعادة الآخرين وتشقيه شقاوتهم يرتاح إذا ارتاحوا ويطمئن إذا اطمأنوا ويسعد إذا سعدوا ..
فإذا قامت هذه الوشائج بين الداعية وبين الناس تحقق الوصال والاتصال وتحقق التأثر والأثر ونجحت المهمة وآتت الدعوة أكلها بإذن ربها وإن كان غير ذلك لم تكن دعوته ولم يكن داعية ..
وكيما يتمكن الداعية من خدمة الناس وقضاء حوائجهم فإن عليه أن يكون قريباً منهم موصولاً بهم غير مقطوع عنهم كما أن عليه أن يجالسهم ويحادثهم ويستمع إليهم ..
ولقد كان من صفاته صلى الله عليه وسلم إنه كان يجلس إلى الناس ويستمع لهم حتى وقع الظن لدى البعض وأشاع البعض الآخر من المنافقين أن رسول الله (أذن) يستمع إلى هذا ويصدقه أي تنطلي عليه الأمور فنزل في ذلك قوله تعالى : { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل  أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم }.
أعرف داعية كثير الجلوس إلى الناس والاستماع إليهم وإلى ما عندهم حتى غدا بيته مقصداً للناس ومرجعاً لهم يبثون فيه همومهم ويستقضون فيه حوائجهم ويحلون عن طريقه مشاكلهم ولقد شق هذا الأمر على بعض أصحاب الداعية واعتقدوا أن في ذلك مضيعة لوقته ومشغلة عن دعوته .. ولم يعلم هؤلاء وأولئك حتى الآن أن هذا هو ميدان الدعوة العملي وأن هذا هو الطريق الذي يصلها بالناس وصلاً مباشراً وإن التوجيه والتوعية الذين يمكن أن يكونا من خلال ذلك أكثر أثراً من التوجيه العام النظري الذي يكون عادة عن طريق الخطبة والمحاضرة والحديث ...
إن من الأسباب الرئيسية لركود الدعوة أو جمودها أو عقمها أحياناً اكتفاء أصحابها بالإطلال على الناس في المناسبات بمكتوبات أو مقولات -
والدعوة الناجحة هي الدعوة الموصولة بقضايا الناس لأنها ستكون عند ذلك موصولة بقلوبهم ومشاعرهم ..
إن الفكرة المجردة تدب فيها الحياة وتصبح قضية متحركة إذا ما تجسدت في الواقع وطرحت على أرض الواقع والفكرة تبقى نظرية وبعيدة ما لم ترتبط أو تحاكى واقعاً معاشاً أو بالتالي تكون معالجة ومتعاملة مع هذا الواقع سلباً أو إيجاباً ..
إن قضايا الناس كثيرة ومتشبعة فمنها الخاص ومنها العام ومنها النفسي ومنها الحسي ومنها التافه ومنها المهم والداعية يجب أن تكون معالجته لها بحسب الأولويات والأهميات ..
والأمر الذي لا مناص منه ولا فائدة بدونه أن يكون ارتباط الحوائج وبذل المساعي بفكر الداعية ودعوته لا بشخصه وأن يبدأ بهذا الربط ويسعى له من أول يوم وإلا كان الاستقطاب حول الشخص وليس حول الفكرة أو الحركة وهذه قضية مهمة يجب التنبه إليها والحذر منها قبل أن تصبح باباً للشيطان ووبالاً على الدعوة والداعية ..
وإذا كان المنهج الإسلامي قد حض عموم المسلمين وعامتهم على القيام بقضاء حوائج الناس فإن دعاة الإسلام معنيون بذلك أكثر ..
-  فمما ورد عن رسول الله في الحض على قضاء الحوائج قوله :
(( المسلم أخو المسلم : لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة )
(( لأن يمشى أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته وأشار بإصبعه أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين)).
((لا يزال الله في حاجة العبد مادام في حاجة أخيه)).
- وفي حضه على السعي والسعاية للمسلمين يقول :
((الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله وكالقائم الليل الصائم النهار )).
((من كان وصلة (أي شفيعاً موصلاً)) لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو إدخال سرور رفعه الله في الدرجات العلى من الجنة )).
((من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك سره الله عز وجل يوم القيامة )).
((من مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له أظله الله عز وجل بخمسة وسبعين ألف ملك يصلون له ويدعون له إن كان صباحاً حتى يمسي وإن كان مساء حتى يصبح ولا يرفع قدماً إلا حط الله عنه خطيئة ورفع له بها درجات ))
-  وفي حضه على إدخال السرور إلى قلب المسلم يقول :
((إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور إلى أخيك المسلم )).
((أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت حاجته)).
((من أدخل على أهل بيت من المسلمين سروراً لم يرض الله له ثواباً دون الجنة )).
((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضى عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشى مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام )).
وهكذا تتكاثر وتكثر التوجيهات النبوية التي تدعو وتحض على قضاء حوائج المسلمين وبذل المساعي الخيرة لهم وإدخال السرور إليهم ودعاة الإسلام أولى الناس جميعاً في الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع سنته ..
وبذلك نأتي إلى ختام الكلام عن الصفات والشروط التي يحتاجها الداعية ليتمكن من نشر دعوته وتأدية رسالته على أكمل وجه وليتمكن من استقطاب الناس حول الإسلام واستيعابهم في دعوته ..
ولننتقل بعد ذلك إلى الاستيعاب الداخلي أي ضمن الدعوة وداخل الحركة والتنظيم
 والله ولى التوفيق


الحلقة العاشرة من الكتاب


الاستيعاب الداخلي
أعني بالاستيعاب الداخلي القدرة والأهلية على الاستيعاب ضمن الدعوة وفي صفوفها سواء كان ذلك من قبل القيادة أم من قبل الأفراد ..
فإذا كان الاستيعاب الخارجي يحقق اجتذاب الناس إلى الإسلام وإلى الدعوة والحركة وهو مهم فإن الاستيعاب الداخلي هو الذي يحقق حسن الاستفادة من هؤلاء في عمل الدعوة والحركة ..
إن المرحلة الأولى من العمل أشبه باستخراج المعادن من الأرض وهو عمل (المناجم) والعاملين فيها في حين تشبه المرحلة الثانية عملية تصنيع هذه المعادن والخامات وتحويلها عبر (المانع) إلى أدوات مختلفة ..
وإذا كان مهما أن نستخرج الخامات البشرية من (منجم ) المجتمع الكبير فمن الأهم التمكن من تحويل هذه الخامات عبر الدعوة إلى طاقات فاعلة على كل صعيد ..
فلنرى كيف يجب أن تتم عملية التحويل والتصنيع هذه ..
إن عملية تحويل خامة بشرية إلى طاقة موجهة وقدرة فاعلة لا بد وأن يتم عبر مراحل ووفق أسس وقواعد شأن ما يفرض في ذلك على التصنيع المعدني فما هي هذه المراحل وتلك القواعد والأسس؟

المرحلة الأولى : الاستيعاب العقائدي التربوي ...
في هذه المرحلة يتعين على الحركة أن تقوم بصياغة الوافدين إليها صياغة نوعية جيدة ...
تنقيهم من كل الرواسب الماضية أفكاراً وممارسات وتغسل أدمغتهم وعقولهم مما ران عليها أو علق بها من معطيات غير إسلامية ..
تصحح عقيدتهم .. تقوم سلوكهم وأخلاقهم .. تهذب أحاسيسهم ومشاعرهم .. توجه رغباتهم وتطلعاتهم .. تحدد وتوضح أهدافهم وغاياتهم ..
إن هذه المرحلة هي أهم المراحل على الإطلاق لأنها بمثابة الأساس الذي سيبنى عليه العمل كله ويقوم عليه البناء كله ..
فإن حصل استيهان في هذه المرحلة وما أكثر ما يحصل فيترتب عليه خطر كبير وشر مستطير على صعيد الفرد والجماعة ..
فالذي يكبر من غير تربية والذي يرتفع من غير التزام والذي يتبوأ المسئوليات بغير جدارة وأهلية يكون عبئاً على الدعوة وبلاءاً عليها في كثير من الأحيان ..
إن مهمة (القيادة) في هذه المرحلة أن تضع وتهي كافة الأسباب والأدوات والمناهج اللازمة لعملية الاستيعاب العقائدي هذه وأن تكون ساهرة مراقبة دقيقة في إجراء هذه العملية ..
أعرف إنساناً تسلق جدار الدعوة بدون جدارة وأصبح داعية قبل الأوان .. وكان يشكو ويعانى من علل وأمراض شتى ((أقلها العجب ومنها الصلف والفظاظة .. ولما علت منزلته وارتفعت درجته وارتفع معها عجبه وصلفه وفظاظته لم يعد من الممكن السيطرة عليه وضبطه مما أدى أخيراً إلى سقوطه وخسارته ...
وأعرف غيره ساعدت الدعوة على قتله حين دفعته في طريق وعر قبل أن تعده لسلوكه ورشحته لأمر لم يكن أهلاً له واختصرت به مراحل قبل الأوان فلنتصور كيف كانت النتيجة ؟؟
فعملية التصنيع إن لم تأخذ مداها الكافي وتتوفر لها كافة الاحتياجات كانت عملية فاشلة وأدت إلى بروز صناعات مشوهة مما يتسبب بكساد البضاعة والإساءة إلى سمعة المصنع وبالتالي إلى فشله وانهياره ؟؟
وكما أن الصناعات المدية الحسية لا تظهر حقيقتها ومدى جودتها إلا عند التجربة كذلك الحال مع الدعاة والعاملين فقد لا تظهر معادنهم وتتضح مؤهلاهم وجداراتهم إلا حين وضعهم على المحك ومن خلال التجربة وهذا يفرض وضعهم على المحك وتجربهم قبل تقليدهم المسئوليات لتكون تجربتهم على حسابهم وليس على حساب الدعوة ..
ثم أن التغاضي عن علة في فرد واحد ستدفع إلى التغاضي عن هذه العلة أ غيرها في الصف كله وبذلك يصبح الصف بلا ضابط ..
صحيح أن الناس يتفاوتون في قدرات الحمل والالتزام ولكن هذا لا يجوز أن يدفع إلى التساهل في القواعد والأسس التي تقوم عليها الشخصية الإسلامية .. فمعالم الشخصية يجب أن تكون واحدة لأنها إن لم تكن كذلك ستؤدى إلى بروز شخصية غير إسلامية ...
إن الاستيعاب التربوي يجب أن يكون قوياً متيناً قائماً على إدراك سليم لأحكام الشريعة ومعالم الحلال والحرام ومن ثم التزام بذلك كله ..
والاستيعاب التربوي يجب أن يكون دائماً غير محكوم بمرحلة أو ظرف فلا يجوز أن يكون قائماً عند المبتدئين متعطلاً عند المتقدمين ذلك أن المتقدمين أخطر في انحرافهم على الدعوة والصف من المبتدئين كما أن أسباب الانحراف تكون عندهم أكثر وأوفر ..؟؟
والاستيعاب التربوي يجب أن يلحظ المتغيرات الحياتية والمراحل الطبيعية والاستثنائية التي يمر بها الأفراد فلا يكون النمط واحد للكبار والصغار للمتزوجين وغير المتزوجين للطلاب والعمال لمحدودي الثقافة وأصحاب الاختصاصات والخريجين ..
فالاستيعاب التربوي الذي يحتاجه طبيب متخرج غير الذي يحتاجه طالب ثانوي أو صاحب مهنة .
والاستيعاب التربوي يجب أن يغطى المساحة التربوية كلها فلا يكون فكرياً فحسب أو روحياً فقط ((وإنما يسد كافة الاحتياجات الفطرية لدى الإنسان ..
والاستيعاب التربوي يجب أن يكون موزوناً محكماً بمقاييس الشرع آخذاً بعزائمه ورخصه وليس وليد انفعالات وتحكمات شخصية لأن من شأن ذلك أن يجعل الدعوة الواحدة دعوات والحركة حركات كما من شأنه أن يمزق الصفوف كما حصل في العديد من الأقطار والتنظيمات ..
والحقيقة أن أكثر ما تعانى منه الحركة الإسلامية من مشكلات وانقسامات ومن تساقط للأفراد خلال السير والعمل ومن بروز ظواهر مرضية في هذا الجانب أو ذاك سببه الأساسي والأصيل عدم نجاحها في الاستيعاب التربوي وإخفاقها في تكوين الشخصية الإسلامية وإيجاد الفرد المسلم وفق المواصفات التي وردت في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
فلننظر إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكوين الشخصية الإسلامية وإيجاد الفرد المسلم لما لهذا الجانب من أهمية بالغة ومن أثر جذري على سائر الجوانب ..

سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في تكوين المسلم
لقد نهجت السنة النبوية الشريفة نهجاً فريداً في تكوين الفرد بما يتناسب مع كمال المنهج الإسلامي والفطرة التي فطر الله الناس عليها ..
فلم يكن المنهج النبوي في تكوين الفرد ذا طابع روحي بحت يسقط من حسابه لحاجات المادية العضوية كما لم يكن منهجاً مادياً محضاً شأن المناهج الوضعية والفلسفات المادية ..
فسنة الرسول صلى الله عليه وسلم نظرت إلى الإنسان وعاملته كإنسان متكامل الميول والنوازع والحاجات .. فهي لم تتعامل معه كملاك كما أنها لم تعتبره حيواناً كبقية الحيوانات ليس إلا ..
قواعد أساسية من السنة :
فيما يلي سنعرض لعدد من القواعد التي بينتها السنة النبوية الشريفة في نطاق التكوين والتي من شأنها بناء الفرد بناء سليماً لا تفريط فيه ولا إفراط ..
1- تغليب الإيجابية على السلبية
فقد كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرباً على السلبية والجمود والتقوقع والرهبانية من أول يوم .. فدعوة الإسلام دعوة حية متصلة بالحياة بكل ما تعنيه كلمة الحياة من معنى ..
فهناك فريق من المسلمين فهموا الإسلام فهماً ضيقاً دفعهم إلى تعطيل طاقة الفرد وحيويته وإنتاجه بحجة العزف عن الدنيا المبالغة في الزهد الإقبال على الله .. فمنهم من اعتزل المجتمع منهم من تخلى عن الوظيفة بل إن منهم من دفعه غلوه إلى الامتناع عن الصلاة في المساجد العامة بحجة أنها تابعة لمؤسسة رسمية كوزارة أوقاف أو ما شاكل ذلك ؟؟
وهذا النهج فضلاً عن كونه يصطدم اصطداماً مباشراً بطبيعة الإسلام الحركية فإنه يسهل على أعداء الإسلام اختلال مراكز القوى في بلاد المسلمين والحيلولة دون عودة هذه البلاد إلى قيام الإسلام ومنهجه في الحياة .
وفيما يلي بعض الشواهد النبوية التي ترفض هذه الظاهرة :
-لقد رؤى أحد المسلمين في عصر النبوة معتزلاً الناس يتعبد على رأس جبل فأتى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له : ((لا تفعل أنت ولا أحد منكم لصبر أحدكم في بعض مواطن الإسلام خير له من عبادة أحدكم أربعين عاماً )).
- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد )) رواه أحمد في مسنده .
-ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم )).

2- تغليب الاعتدال على التطرف
وقاعدة أخرى من قواعد التربية والتكوين في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتتمثل في الحض على الاعتدال والنهي عن التطرف والغلو ..
- ففي إطار الالتزام الشخصي بالإسلام يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الغلو والتنطع فيقول : ((ألا هلك المتنطعون .. ألا هلك المتنطعون )) ويقول :(( إن هذا الدين شديد فأوغلوا فيه برفق))
- وفي إطار الدعوة واجتذاب الناس إلى الإسلام يقول الرسول ((يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا )) وفي ذلك ترجمة صادقة لقوله تعالى :{ ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } وقوله { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } .
وأوضح دليل يمكن أن يساق على نهج اعتدال السنة النبوية الشريفة في تكوين الفرد ما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه حيث قال (( جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما اخبروا كأنهم تقالوها وقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم : أما أنا فأصلى الليل أبدا .. وقال الآخر وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر .. وقال الآخر : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا .. فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله أنى لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر وأصلى وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس منى ..))
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشئ من الدلجة ))رواه البخاري .

3- القليل الدائم خير من الكثير المنقطع
ومن القواعد النبوية كذلك الحض على الاستمرارية والديمومة في أعمال البر والخير مهما كانت ضئيلة لأنها تكون بذلك أصيلة ومستطاعة وفي مقدور الإنسان القيام بها من غير عناء ..
وفي أكثر الأحيان تكون الالتزامات القاسية والأعمال الكثيرة التي يقوم بها الإنسان وليدة ردة فعل مؤقتة لا تلبس أن تخب تضعف قد تتلاشى تدفع بصاحبها في اتجاه معاكس تماماً .. كما قد تكن مدخلاً من مداخل العجب إلى النفس في ذلك هلاكها كذلك ..
من هنا كان توجيه النبي يؤكد على الاستمرارية في أعمال البر الخير دونما اهتمام بحجم هذه الأعمال
بل من هنا كان الحرص على خواتيم الأعمال ليس على مطالعها .
- فعن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه سلم دخل عليها عندها امرأة قال : من هذه ؟ قالت : هذه فلانة تذكر من صلاتها قال :((مه ، عليكم بما تطيقن فالله لا يمل الله حتى تملا )).
-وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال : قال لي رسول الله ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل ))متفق عليه .
-في رواية عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : ((أدومها وإن قل )).
-وفي رواية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل )) رواه البخاري ومسلم .
-وفي رواية (( كان أحب الأعمال إلى الله عز وجل الذي يدوم عليه صاحبه ))رواه مالك والبخاري - وفي رواية ((القليل الدائم خير من الكثير المنقطع )).

4- السنة وتغليب الأولوية في التكوين
ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في التكوين تغليب الأولوية وتقديم الأهم على المهم ..
فالأخلاق الكريمة يجب أن تكون محصلة العبادة والعبادة الحسنة يجب أن تأتى نتيجة العقيدة الصحيحة .. وهكذا يجب أن تبنى الأعمال لي قواعد وأصل فق سلم الأولويات ..
أما التكوين الذي لا يلتزم بسلم الأولويات فهو تكوين كيفي مزاجي هش لا يقوم على قواعد راسخة ولا ينهض على أسس قوية متينة ولذلك يبقى عرضة للتداعي والتساقط وريشة في مهب الريح وهذا هو الفاصل الجذري والفارق الأساسي بين الأخلاق في مفهوم الفلسفات المادية المبينة على المصلحة ..
من هنا كان النهج النبوي في تكوين الفرد يعتمد على بناء العقيدة أولاً وقبل كل شئ .. بل إن هذا النهج جاء ترجمة عملية لسياق التنزيل القرآني ومراحله وآفاقه ..
فالقرآن الكريم كان يركز بشكل دائم ومستمر على بناء العقيدة طيلة العهد المكي الذي استمر ما يقرب من ثلاثة عشر عاماً لتكون بعد ذلك سائر الفروع الأخرى من عبادات و توجيهات تشريعات مبنية على قاعدة عقائدية صلبة وأسس مبدئية راسخة ...
ومن خلال استعراضنا لسياق الآيات القرآنية التكليفية يبدو ترتيب الآيات واضحاً وثابتاً ومسمراً .. من ذلك قوله تعالى :
-{ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } العصر 1-3 .
- {وبشر  الذين آمنوا وعملوا الصالحات } البقرة 25 .
- { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } البقرة 82 .
- { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } البقرة 277 .
- { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم } المائدة 9 .
-{ وإذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات } المائدة 93 .
- { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب لكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين آتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل السائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء حين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } البقرة 177 .
وهكذا تتكاثر الآيات مؤكدة ترتيب الأولويات التكليفية حسب الأهمية ..
تأتى بعد ذلك السنة النبوية الشريفة لتترجم هذه القاعدة من خلال السلوك النبوي في الجانب التكويني :
-قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل ؟ فقال ((العلم بالله عز وجل )).
-روى : أن رجلاً جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : علمني من غرائب العلم فقال له : ما صنعت في رأس العلم ؟ فقال وما رأس العلم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : هلا عرفت الرب تعالى ؟ قال : نعم قال : فما صنعت في حقه ؟ قال : ما شاء الله قال صلى الله عليه وسلم هل عرفت الموت ؟ قال : نعم قال : فما أعددت له ؟ قال : ما شاء الله قال النبي صلى الله عليه وسلم اذهب فأحكم ما هنالك ثم تعالى نعلمك من غرائب العلم )) رواه أبو نعيم وابن عبد البر .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم وهذا القول ه ترجمة عملية لقوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دن ذلك لمن يشاء } النساء 48- 116 .
من كل ذلك يتضح أن عملية التكوين يجب أن لا تكن كيفية غير مبينة على أسس أو مقيدة بمراحل وأوليات لأنها إن كانت كذلك فهي مخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومكتوب عليها الفشل من أول الطريق .. ما مظاهر التشوه في الشخصية الإسلامية المعاصرة إلا إحدى نتائج الخلل في اتباع السنة في أولويات التكوين ..

5- التكوين من خلال القدرة
والسنة النبوية الشريفة حضت على أن يكون التكوين بالقدوة معتبرة أن لسان الحال أوقع من لسان المقال وأن أثر العمل أقوى من أثر القول وصدق الله تعالى حيث يقول { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } ويقول { يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا مالا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون } .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى والأسوة الحسنة للمسلمين في كل زمان ومكان ولقد كان صلوات الله وسلامة عليه الترجمة العملية للقرآن الكريم وعندما سئلت عائشة رضى الله عنها عن خلق الرسول قالت :((كان خلقه القرآن )).
ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أثر القدوة في كثير من توجيهاته وأنها دليل الأمان وثمرته .. وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم :
.((ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل )) رواه الديلمى في مسند الفردوس .
- ((ما آمن بالقرآن من استحل محارمه )) رواه الترميذى .
-(( ما من عبد يخطب خطبة إلا الله عز وجل سائله عنها )) رواه البيهقى .
- ((مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضئ على الناس وتحرق نفسها)) رواه البزار .
- (( كل بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا وأشار بكفه وكل علم وبال على صاحبه إلا من عمل به )) رواه الطبرانى
- ((إن الرجل لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواء ويكون لسانه مع قلبه سواء ولا يخالف قوله عمله ويأمن جاره بوائقه )) رواه الاصبهانى .
وأود أن أسوق هنا قولاً لعلى بن أبى طالب في فضل القدوة وأهميتها يقول على رضى الله عنه :(( من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتهذيب نفسه قبل تهذيب غيره وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومهذبهم )).

6- التكوين الكلى لا الجزئي
ومن الخصائص التي تمز بها الأسلوب النبوي في تكوين الفرد النظرة الكلية الشمولية فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تهتم بجانب من جوانب التكوين أو بجانب واحد من جوانب الشخصية الإسلامية وإنما عنيت بالجوانب كلها وبالشخصية كلها ...
فهي لم تهتم بتنمية الفكر على حساب الروح .. ولا بالروح على حساب الجسد .. ولا بالجسد على حساب الروح .. ولا بواحدة من هذه على حساب غيرها إنما كان اهتمامها كلياً وشاملاً ومتوازناً من غير تفريط أو إفراط ومن غير جنوح أو انحراف وبدون تطرف أو مبالغة ..
أ- ففي معرض عناية السنة النبوية بتكوين (العقلية الإسلامية ) وتنمية القدرات الفكرية لدى الفرد نسوق طائفة من الأحاديث الشريفة :
- (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )) رواه البخاري ومسلم وابن ماجة .
-((أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع )) رواه الطبرانى .
-(( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة - الحديث )) رواه الترمذى .
- (( ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدى صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى وما استقام دينه حتى يستقيم عمله )) رواه الطبرانى .
- (( ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ولكل شئ عماد وعماد هذا الدين الفقه )) رواه البيهقى والدارقطنى .
ب- وفي معرض عناية السنة النبوية بتكوين (النفسية الإسلامية ) ورياضة القلب والروح نسوق نماذج من الأحاديث الشريفة :
- ((لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء )).
-(( إن لكل شئ صقالة وصقالة القلوب ذكر الله وما من شئ أنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع )) رواه البيهقى .
-(( الإنسان عيناه هاد وأذناه قمع ولسانه ترجمان ويداه جناحان ورجلاه بريد والقلب منه ملك فإذا طاب الملك طابت جنوده )).
- (( إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من قلبه ))
(( من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ )) مسند الفردوس .
-(( روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت )).
- (( روحوا القلوب ساعة فساعة )) رواه أبو داوود .
ج- وفي معرض عناية السنة النبوية بجسد الفرد ليبقى قوياً معافى جلداً قادراً على النهوض بمسئوليات الحياة وواجبات الرسالة وطاعة الله نسوق نماذج من الأحاديث والتوجيهات النبوية :
-(( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )) رواه الترميذى .
-(( لكل داء دواء فإذا أصاب الدواء الداء برأ بإذن الله عز وجل )) رواه مسلم .
- (( نعم يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا ووضع له شفاء غير داء واحد قالوا : ما هو ؟ قال : الهرم )) رواه أحمد والنسائي .
- ((المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف )) رواه مسلم .
-((علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل )).
- (( تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا )) رواه الطبرانى .
-(( إن لجسدك عليك حقاً )).
- (( والذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النار والذي يقتحم يقتحم في النار ))رواه البخاري .

7- سلامة البيئة وأثرها في التكوين
ومن أجل نجاح عملية التكوين عمدت السنة النبوية إلى الاهتمام بسلامة البيئة بل جعلت لهذه البيئة دوراً أساسياً وفعالاً في تكوين الفرد المسلم تكويناً سليماً ومتكافئاً ..
أ -فالبيتية (أو العائلية ) تعتبر المحضن الأول المعنى بعملية التكوين .. والأبوان مسئولان ابتداء عن إشاعة الأجواء المساعدة في هذه العملية من خلال التربية النظرية والعملية ومنها كانت التوجيهات النبوية واضحة وفاصلة في تبيان مسئولية الأبوين :
- ((يولد الولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ))(
- ((الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها )) رواه البخاري ومسلم .
- ((أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم )) رواه ابن ماجة .
- ((علموا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية لهم من النار )) رواه ابن جرير .
-((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله )) رواه الطبرانى .
ب- واختيار الأصدقاء والأصحاب عامل مهم في عملية التكوين والسنة النبوية الشريفة بهت إلى ذلك وحذرت من مخالطة الأشرار ومصاحبة المنحرفين فقال عليه والصلاة والسلام :
-(( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) رواه الترمذى .
-(( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير )) فحامل المسك إما أن يحذيك ((أي يعطيك )) أو تشترى منه أو تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً منتنة )) رواه البخاري ومسلم .
-(( المرء مع من أحب وله ما اكتسب )) رواه الترميذى .
-(( إياك وقرين السوء فنك به تعرف )) رواه ابن عساكر .
ج- ولقد حضت السنة النبوية بشدة على ضرورة تنظيف المجتمع من عوامل الفساد درءاً للمفاسد ومساعدة للفرد على الاستقامة وسلوك سبيل الصالحين وتحقيقاً لقاعدة (درهم وقاية خير من قنطار علاج ).
وفيما يلي طائفة من التوجيهات النبوية على هذا الصعيد :
- ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم جوا جميعاً )) رواه البخاري والترميذى .
-(( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) رواه مسلم والترميذى وابن ماجة والنسائي .
- ((إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقاب ))رواه النسائي .
- ((لا تزال لا إله إلا الله تنفع من قالها وتصرف عنهم العذاب والنقمة ما لم يستخفوا بحقها .. قيل وما الاستخفاف بحقها ؟ قال : يظهر العمل بمعاصي الله فلا ينكر ولا يغير )) رواه الاصبهانى .

8- أثر الثواب والعقاب في التكوين
ومن الأسباب المساعدة في عملية التكوين والمتوافقة مع فطرة الإنسان وتكوينه الخلقي التأثر بمبدأ الثواب والعقاب جاءت السنة النبوية تطبيقاً علياً لبدأ (الجزاء) التي حفل بها القرآن الكريم .. وفي مقدمتها قوله تعالى : { ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلك تتقون } .
ولكن هذا لا يعنى أن يكون التكوين (بالعقوبة) ابتداء وإنا في أعقاب استنفاد كل الوسائط والأسباب وعلماء التربية المسلمون يرون أنه لا ينبغي للمربى أن يلجأ إلى العقوبة إلا عند الضرورة القصوى وأن لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء وفي قول لابن خلدون : ( من كان رباه العسف والقهر سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحله على الكذب والخبث خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر وعلمه المكر والخديعة ولذلك صارت له هذه عادة وخلقاً وفسدت معاني الإنسانية التي له )).
ولذلك كان لا بد من اتباع الأولويات في التكوين ومراعاة الفوارق النسبية والجذرية بين فرد وآخر
- فيكون التكوين ابتداء بالتوجيه ..
-ثم يكون بالملاطفة ..
- ثم يكون بالإشارة والتنبيه ..
- ثم يكون بالتوبيخ ..
- ثم يكون بالهجر والمقاطعة ..
- وأخيراً يكون بالعقوبة الرادعة ..
وهاكم طائفة من الأحاديث النبوية جاءت في معرض التحذير والعقوبة :
- ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر )).
- (( أقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم )) رواه ابن ماجة .
- ((لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه))رواه أبو داود .
- (( في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف قال رجل من المسلمين : يا رسول الله متى ذلك ؟ :إذا ظهرت القيان والمعازف وشرب الخمور )) رواه الترمذى .
- (( من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ))رواه الترميذى وأبو داود .
- ((إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار : 1 - إذا ظهر التلاعن  2- وشربوا الخمور 3- ولبسوا الحرير 4- واتخذوا القيان 5- واكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء )) رواه البيهقى .
- ((الزنا يورث الفقر )) رواه البيهقى .
-(( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله )) رواه الحاكم .
وهكذا تتكاثر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أساليب وأسباب التربية والتكوين تكاثر الأمراض والطباع والعادات والتقاليد والمجتمعات تأكيداً لعظمة الإسلام وإعجاز وقدرته على تغطية كل الاحتياجات ومعالجة كل النفوس في مختلف الأزمنة والأمكنة وسنة رسول الله ثابتة ماضية ى هذا السبيل لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله وصدق الله تعالى حيث يقول :{ وما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحي } وصدق رسوله المصطفي صلى الله عليه وسلم حين يقرر:((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي )).






الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية "الحلقة الأولى من الكتاب"
الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية"الحلقة الثالثة من الكتاب"

الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية"الحلقة الرابعة من الكتاب"

الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية "الحلقة الخامسة والسادسة من الكتاب"

الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية "الحلقة السابعة والثامنة من الكتاب"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الفهرس
الموضوع                                                                                  الصفحة
الإهداء                                                                                         5
المقدمة                                                                                         7
الاستيعاب في الدعوة و الداعية                                                            9
ماذا أعنى بالاستيعاب ؟                                                                    9
تفاوت القدرة على الاستيعاب                                                             11
الاستيعاب ونجاح الدعوة                                                                  13
الاستيعاب الخارجي و الداخلي                                                           13
- الاستيعاب الخارجي                                                                     15
أولاً : الفقه في دين الله                                                                     16
ثانياً : القدوة الحسنة                                                                       22
ثالثاً : الصبر                                                                               27
رابعاً : الحلم و الرفق                                                                      33
خامساً : التيسير لا التعسير                                                              38
سادساً : التواضع وخفض الجناح                                                       43
سابعاً : طلاقة الوجه وطيب الكلام                                                     49
ثامناً : الكرم والإنفاق على الناس                                                       55
تاسعاً : خدمة الآخرين وقضاء حوائجهم                                              62
- الاستيعاب الداخلي                                                                      71
الاستيعاب العقائدي و التربوي                                                          72
سنة رسول الله في تكوين المسلم                                                        77
1- تغليب الإيجابية على السلبية                                                         78
2- تغليب الاعتدال على التطرف                                                       79
3- القليل الدائم خير من الكثير المنقطع                                                81
4- السنة وتغليب  الأولوية في التكوين                                                83
5- التكوين من خلال القدوة                                                             86
6- التكوين الكلى لا الجزئي                                                             88
7- سلامة البيئة وأثرها في التكوين                                                   92
8- أثر الثواب و العقاب في التكوين                                                    95
- الاستيعاب الحركي                                                                     98
الأول : ما يتعلق باستيعاب الحركة لأفرادها                                         98
الثاني : وما يتعلق باستيعابها هي الحركي                                           1.2
الثالث : الاستيعاب الكامل لطبيعة الأصدقاء و الأعداء                            1.6
الرابع : الاستيعاب الكامل لمختلف جوانب العمل                                   1.7
الخامس : عدم الاستنكاف شرط الاستيعاب                                         1.9


  عرض كل الأخبار
moncler