بسم الله الرحمن الرحيم
مؤسسة الرسالة
الإهداء
إلى الأخوة الدعاة القائمين على ثغور الإسلام في كل مكان ..
إلى من أحب ..
أقدم بكل تواضع بعضاً مما أحب .. فأسأل الله القبول ..
وعلى الله قصد السبيل
فتحي
الحلقة الخامسة من الكتابخامساً : التيسير لا التعسير ومن الصفات التي تساعد الدعاة على الإيغال بدعوتهم بين الناس معالجة الأمور باليسر والتيسير وليس بالعسر والتعسير ..
ولما كان الناس أصنافاً شتى فهم كذلك يتفاوتون في القدرة والاحتمال فما يطيقه هذا قد لا يطيقه ذاك وما يتناسب مع هذا قد لا يتناسب مع ذاك ولذلك كانت القاعدة النبوية ((سيروا على سير لأضعفكم )).
ومن أسوأ ما ابتلى به الإسلام في هذا العصر دعاة جبلوا على التعسير في كل شأن وكأن اليسر ليس من الإسلام في شأن ..
فهم في الصلاة معسرون وفي الوضوء معسرون وفي اللباس معسرون وفي بيوتهم مع معسرون وفي المأكل معسرون وفي المشرب معسرون وفي علاقاتهم مع غيرهم معسرون وفي البيع والشراء معسرون وفي عمل الدعوة معسرون وهم في كل ذلك مخالفون للنهج النبوي الصريح ..
ثم أن هؤلاء لا يتقيدون بمنطق الأولويات ولا يفرقون في الموقف بين ما هو فرض أو واجب أو سنة وبين ما هو حرام أو مكروه وبين ما فيه نص أو اجتهاد فتراهم يكيلون للناس الاتهامات فيكفرون هذا ويفسقون ذاك وكأن الله قد نصبهم حكاماً على الأمة يقضون فيها بكل ما هو صعب وعسير فيضيقون سعة الإسلام ويحجرون مرونة الشريعة وينفرون الناس من الدين ألا ساء ما يفعلون ...
إن هذا لا يعنى أن يترخص الداعية وأن يتساهل ويداهن في إقامة حدود الدين وإنما أن يستفيد من مساحات المرونة واليسر التي جاء بها الدين نفسه .. فإقامة حدود الله أمر لا جدال فيه وليس هو المعنى في كلامنا هنا.
ويكفي أن نذكر هنا بقوله صلى الله عليه وسلم :(( أقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم )).
إن القاعدة النبوية في التعامل مع الآخرين والتي يجب أن تحكم أسلوب الدعوة والداعية تبدو واضحة جلية في قوله صلى الله عليه وسلم (( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا )) .
وفيما ترويه عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه يؤكد هذه القاعدة .. قالت عائشة رضى الله عنها (( ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً .. فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شئ قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى )) .
ويحض رسول الله صلى الله عليه وسلم على لين الجانب وسهولة المعشر وبين ذلك عند الله فيقول :((ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل هين لين سهل )) .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم هذا الخلق لأصحابه ويدربهم عليه عملياً .. فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال ((بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )).
إن سماحة الداعية ولينه وسهولة معشره هي التي تفتح مغاليق القلوب وتنفذ به إلى أعماق النفوس يلامسها بالهداية فتقبل ويدعوها إلى الخير فتستجيب ..
والخلق هذا يجب أن يغطى مساحة حياة الداعية كلها وأن يكون ملازماً له في كل شأن من شأنه وليس أثناء الدعوة فقط ..
ففي بيته يجب أن يكون كذلك .. وفي بيعه وشرائه يجب أن يكون كذلك .. وفي تقاضيه يجب أن يكون كذلك ..
ويقرر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول :
- ((أفضل المؤمنين : رجل سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء سمح الاقتضاء ))
- (( رحم الله عبداً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا اقتضى )) .
- (( وعن حذيفة رضى الله عنه قال :(( أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالاً فقال له :ماذا عملت في الدنيا ؟ قال ولا يكتمون الله حديثاً ؟ قال يا رب : آتيتني مالاً فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر فقال الله تعالى أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاري : هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم )
أعرف أحد الدعاة وهو من كبار العلماء طبعه العسر في كل شئ صعب التعامل مع كل الناس .. مع الزوجة في البيت ومع الأولاد .. مع الجيران مع كل الناس ولقد وصل به الأمر أن عشرات الدعاوى أقيمت عليه أو أقامها على الناس لدى المحاكم .. هذا الإنسان أوتى سعة في العلم ولم يؤت سعة في النفس ولذلك لم ينفعه علمه ولم يتمكن من اجتذاب حتى أهل بيته إلى الإسلام واسيتعابهم ..
ولقد ذهب الإسلام في دعوته للسماحة والإحسان أبعد من ذلك حتى أنه أوجب أن يكون ذلك مع الحيوان ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( إن الله كتب الإحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته )).
الحلقة السادسة من الكتابسادساً : التواضع وخفض الجناحومن أهم وأبرز الصفات التي تجعل الداعية محبوباً في قومه وبيئته ذا أثر فيهم وقوامه عليهم صفة التواضع وخفض الجناح ..
فالكبر يشكل جداراً وحاجزاً بين الداعية والناس .. بل ويجعل الداعية معزولاً عن مجتمعه غير مألوف ممن حوله وإلى هذا المعنى يشير الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ((إن أحبكم إلى أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلى : المشاؤن بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء العيب )).
ومظاهر الكبر قد تبدو في صور مختلفة :- فقد تبدو في عدم مخالطة الداعية للفقراء أو لعوام الناس وفي حرصه على مخالطة الأغنياء وأصحاب الجاه والسلطان ..
- وقد تبدو في زيادة اهتمامه بلباسه وتأنقه وفي إعابة التبذل فيمن حوله ..
- وقد تبدو في استنكافه عن القيام بواجب الدعوة (وعظاً وتوجيهاً وتدريساً ) في عوام من الناس أو قلة قليلة منهم فهو لا يتحدث إلا إذا كان الجمهور كبيراً ووسطه رفيعاً؟؟
- وقد تبدو من خلال تنميق الكلام وتزويق العبارة والمبالغة في ذلك إلى حد يضع المعاني ويبطل الأثر وهذا ما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :(( إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة )) .
- وقد تبدو في الإعجاب بالعلم والزهو بالمعرفة والتحدث عن النفس بعجب وفي الحرص على منافسة العلماء ومماراة السفهاء وهي أخلاق مرذولة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وحذر منها فقال :((لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا تماروا به السفهاء ولا تحيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار)).
وقال :(( إن من أحبكم إلى وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلى وأبعدكم منى يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون )) للترمذى .
إن الداعية المتواضع هو الذي يعيش مع كل الناس ويستقبل كل الناس ويكلم كل الناس ويزور كل الناس ويحب كل الناس ..
وهو الذي يخدم الناس ولا يستخدمهم .. ويتواصل مع الناس لا يقاطعهم أو يجافيهم ..
ألا فليسمع الدعاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليقتدوا بتواضعه وهو سيد ولد آدم وأكرم إنسان .. فمن أقواله صلى الله عليه وسلم :
- (( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر )).
- (( إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد )).
- (( لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم )).
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم :
- عن أنس رضى الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله .
- وعنه قال :((إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت)).
- وعن الأسود بن يزيد قال : سئلت عائشة رضى الله عنها : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينع في بيته؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله (يعنى في خدمتهم ) فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة )).
- وعن أبى رفاعة تميم بن أسد رضى الله عنه قال :انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت : يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدرى ما دينه فأقبل علىّ رسول الله وترك خطبته حتى انتهي إلى فأتى بكرسي فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها)).
- واخرج الطبرانى عن أبى أمامة أنه قال : ((كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن .. يكثر الذكر .. ويكثر الخطبة .. ويطيل الصلاة .. ولا يأنف ولا يستكبر أن يذهب مع المسكين والضعيف حتى يفرغ من حاجته )).
- وأخرج البيهقى عن أبى موسى أنه قال : ((كان الرجل من العوالى ليدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف الليل على خبز الشعير فيجيب )).
- وأخرج الطبرانى عن أبى أمامة قال : ((كانت امرأة ترافث الرجال وكانت بذيئة فمرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل ثريداً على طربال (البناء المرتفع) فقالت : انظروا إليه يجلس كما يجلس العبد ويأكل كما يأكل العبد .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأي عبد أعبد منى ؟ قالت : يأكل ولا يطعمني . قال فكلى ؟ قالت : ناولني بيدك .. فناولها .. فقالت أطعمني مما في فيك .. فأعطاها فأكلت فغلبها الحياء فلم ترافث أحداً حتى ماتت)).
وفيما يلي طائفة مما روى عن تواضع الصحابة رضى الله عنهم :- أخرج ابن عساكر عن أسلم قال : قدم عمر بن الخطاب رضى الله عنه الشام على بعير فجعلوا يحدثون بينهم . فقال عمر : تطمح أبصارهم إلى مراكب من لا خلاق لهم )).
- وأخرج الدينورى عن الحسن قال : خرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه في يوم حار واضعاً رداء على رأسه فمر به غلام على حمار فقال : يا غلام احملني معك .. فوثب الغلام عن الحمار وقال : اركب يا أمير المؤمنين قال : لا اركب وأركب أنا خلفك تريد أن تحملني على المكان الوطىء وتركب أنت على الوضع الخشن فركب خلف الغلام فدخل المدينة وهو خلفه والناس ينظرون إليه ))
- وأخرج ابن سعد وأحمد وابن عساكر عن عبد الله الرومي قال : كان عثمان رضى الله عنه يلي وضوء الليل بنفسه فقيل : لو أمرت بعض الخدم فكفوك . فقال لا إن الليل لهم يستريحون فيه )) .
- وأخرج سعد عن ثابت قال :(( كان سلمان رضى الله عنه أميراً على المدائن فجاء رجل من أهل الشام من بنى (تيم الله ) معه حمل تين فقال لسلمان : تعال احمل (وهو لا يعرفه ) فحمل سلمان .. فرآه الناس فقالوا : هذا الأمير .. قال لم أعرفك ... فقال له سلمان : لا حتى أبلغ منزلك )).
- وأخرج العسكري عن على رضى الله عنه قال : ثلاث هن رأس التواضع : 1- أن يبدأ بالسلام من لقيه 2- ويرضى بالدون من شرف المجلس 3- ويكره الرياء والسمعة )).
الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية "الحلقة الأولى من الكتاب" الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية"الحلقة الثالثة من الكتاب"الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية"الحلقة الرابعة من الكتاب"الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية "الحلقة الخامسة والسادسة من الكتاب"الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية "الحلقة السابعة والثامنة من الكتاب"ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع الصفحة
الإهداء 5
المقدمة 7
الاستيعاب في الدعوة و الداعية 9
ماذا أعنى بالاستيعاب ؟ 9
تفاوت القدرة على الاستيعاب 11
الاستيعاب ونجاح الدعوة 13
الاستيعاب الخارجي و الداخلي 13
- الاستيعاب الخارجي 15
أولاً : الفقه في دين الله 16
ثانياً : القدوة الحسنة 22
ثالثاً : الصبر 27
رابعاً : الحلم و الرفق 33
خامساً : التيسير لا التعسير 38
سادساً : التواضع وخفض الجناح 43
سابعاً : طلاقة الوجه وطيب الكلام 49
ثامناً : الكرم والإنفاق على الناس 55
تاسعاً : خدمة الآخرين وقضاء حوائجهم 62
- الاستيعاب الداخلي 71
الاستيعاب العقائدي و التربوي 72
سنة رسول الله في تكوين المسلم 77
1- تغليب الإيجابية على السلبية 78
2- تغليب الاعتدال على التطرف 79
3- القليل الدائم خير من الكثير المنقطع 81
4- السنة وتغليب الأولوية في التكوين 83
5- التكوين من خلال القدوة 86
6- التكوين الكلى لا الجزئي 88
7- سلامة البيئة وأثرها في التكوين 92
8- أثر الثواب و العقاب في التكوين 95
- الاستيعاب الحركي 98
الأول : ما يتعلق باستيعاب الحركة لأفرادها 98
الثاني : وما يتعلق باستيعابها هي الحركي 1.2
الثالث : الاستيعاب الكامل لطبيعة الأصدقاء و الأعداء 1.6
الرابع : الاستيعاب الكامل لمختلف جوانب العمل 1.7
الخامس : عدم الاستنكاف شرط الاستيعاب 1.9