louis vuitton
ugg online
التعريف بالمؤسسة
نشاط سالم يكن
بيانات ومواقف
الإخوان المسلمون
الحركات الإسلامية
الجماعة الإسلامية
فقهيات معاصرة
مراصد الموقع
أبواب دعوية
إستشارات دعوية
حوارات ومحاضرات
بأقلام الدعاة
مواقع صديقة
ملفات خاصة
اتصل بنا


المذكرات الشخصية

 
مذكراتي
 
مذكراتي

النشأة الأولى : مرحلة الطفولة

كانت ولادتي ـ بمشيئة الله تعالى: في التاسع من شباط من العام 1933.

نشأت في بيئة متدينة محافظة أبـا ً عن جد.. وعشت طفولتي الأولى في كنف جدتي لأبي، المرحومة السيدة [وسيلة مرحبا] التي وجَدَت بي السلوى والعوض عن زوجها جدي المرحوم [محمود شريف يكن] الذي توفي قبل ولادتي بأيام.

كانت جدتي رحمها الله على جانب كبير من التدين، صارمة وذات شخصية قوية. تعلمت على يديها الوضوء والصلاة والأ دب، وخصالا لا تزال تلازمني حتى اليوم: النظافة، الترتيب، الحزم  ومحبة المساكين .

في غرفتها المتأنقة أثاثا، المتألقة بياضاً، كنت أقضي سحابة يومي حتى التحاقي بالمدرسة.. تارة أعبث بشعرها الفضي  ـ وهي تضمني اليها بحنان ـ وطورا العب فوق سريرها المعدني، المجلل " بشراشف " تحاكي في بياضها بياض الثلج الناصع في أعالي الجبال.

على هذا النحو درجت، وفي هذا البيت الذي يقع في منطقة الرفاعية، بمدينة طرابلس، عشت وتربيت، بين جدة متدينة وصارمة، وأب لايقل عنها صرامة وإن كانت مفعـمة بالمحبة والعاطفة، ولكنها دفينة ويندر ظهورها؟

أما والدتي [عائشة] ـ رحمها الله رحمة واسعة ـ فكانت كتلة من عاطفة، ولكنها جامحة يصعب التحكم  فيها، أو التخفيف من ضرامها.

صرامة لكنها مفيدة
صحيح أننا كأطفال صغار كنا نتضايق من الصرامة التي جعلت منزلنا أشبه بالثكنة العسكرية، ولكننا بدأنا ندرك  فائدتها بعد أن  تقدم بنا السن؟

على مدخل الباب الخارجي كان والدي [محمد عنايت] رحمه الله قد أثبت لوحة للبلاغات الصادرة عنه ، منها :

·    تحديد موعد العودة الى المنزل مساء .
·    مواعيد تناول الطعام، صباحا وظهرا ومساء .
·    مواعيد الاستحمام .
·    تعليمات تتعلق بالنظافة واخرى بالترتيب.
·    وتنبيهات تتعلق بالدراسة، الى غير ذلك من الامور المستجدة.        

أذكر أن حضوره وهيبته وصرامته قد تركت أثرا على كل أفراد العائلة، حتى القطط التي كان لا يخلو بيتنا من واحدة منها، فقد كانت تختفي عن الأنظار عندما كانت تسمع صوت مفاتيحه وهو يعالج  قفل الباب !..                             

جدي لأمي حكمت شريف يكن

أما جدي لأمي فهو المرحوم حكمت شريف يكن، الكاتب والشاعر والمؤرخ والاديب المعروف، وإن بقيت معظم مؤلفاته مخطوطات لم تأخذ طريقها الى الطباعة بعد. ولد في طرابلس عام 1880 وتوفي في اللاذقية عام 1948.

ولقد قامت زوجتي ـ حفظها الله وجزاها خيرا ـ منذ سنوات بتحــقـيــق أحـــد كتبه [ تاريخ طرابلس الشام ، من أقدم عصورها الى هذه الأيام] فيما تنتظر المخطوطات الاخرى من يتعهدها بالتحقيق والطباعة، كتاريخ الأديان الذي يقع في إثنين وثلاثين جزءًا. وكان رحمه الله  يتقن التركية ويتكلم الفارسية والأوردية والفرنسية.

     على غلاف كتابه [ تاريخ طرابلس الشام ] نظم جدي البيتين التليين من الشعر:

"طرابلس الفيحاء شامة" قطرنا             مدى الدهر في خد البلاد غدت شامة

"وجـُـلًـقُ" لما شبهوها بعينهــا         فانسانها  كانت  " طرابلس شامــة"


تلقى العلم في الآستانة وعاد الى الفيحاء يحمل الشهادات العليا ، كما نهل من علوم شيوخها وأعلامها كالشيخ [ محمود نشابه 1813-1890] و[ الشيخ عبدالغني الرافعي 1816-1890] و[ الشيخ عبد القادر الرافعي ] وغيرهم .

ومن أثار وأعمال الجد رحمه الله ، أنه أصدرفي اللاذقية جريدة [ الرغائب ] التي توقفت أثناء الحرب العالمية الأولى لاعتبارات كثيرة ، ثم عادت للصدور.

تزوج جدي  سيدة من اللاذقية هي المرحومة [ نظيرة ]ابنة مفتي المدينة الشيخ عبد القادر المفتي  بحكم عمله فيها، حيث أنجبت له ثلاث بنات هن : عائشة "والدتي"، وعزمية التي توفيت بعد فترة وجيزة من زفافها من المهندس صلاح رمضان ، وعربية زوجة مدحت عجان من اللاذقية .

أحبني جدي حبا شديدا  ومميزا، جعله يختصني في وصيته بمكتبته الزاخرة العامرة ..  وبسبب من صغر سني يوم وفاته، فقد ضاع الكثير من محتويات هذه المكتبة الفريدة، ولم يتسن للوالد الا نقل القليل منها الى طرابلس، إضافة الى المخطوطات، التي أمكن المحافظة عليها؟

ومن مفارقات الأقدار، أن تكون وفاة جدي ـ ابن طرابلس ـ في اللاذقية حيث دفن فيها، وأن تكون وفاة جدتي السيدة نظيرة ـ إبنة اللاذقية ـ في طرابلس حيث دفنت فيها، وصدق الله تعالى حيث يقول

{ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، وما تدري نفس  بأي أرض تموت }

الحلقة الثانية

مرحلة الشباب :
     التحقت في سن مبكرة بمدرسة [ النجاح الوطنية ]،  ثم بمدرسة [ النموذج ] الرسمية، وكنت يومها في العاشرة من العمر. كان يدير المدرسة الدكتور حسن الحجة، بينما يتولى الشيخ نصوح البارودي التعليم الديني فيها رحم الله الاثنين معا.

مذبحة فرنسية لاتنسى في شوارع طرابلس :
     من الذكريات الأليمة التي استقرت في العقل البطن ويصعب نسيانها، تلك المذبحة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي في مدينة طرابلس ..

     فقبيل استقلال لبنان في العام [1942] خرجت مسيرة طلابية تجوب شوارع المدينة المجاهدة طرابلس، تطالب بانسحاب القوات الفرنسية من لبنان، وكنت من المشاركين فيها..

     وما أن وصلت المسيرة الى شارع الميناء، وبمحاذاة منزل محافظ المدينة، اعترضها رتل من الدبابات الفرنسية، قامت بفتح رشاشاتها على الطلاب العزل ثم اندفعت نحوهم  ساحقة اجسادهم تحت عجلاتها المجنزرة بوحشية تفوق كل تصور، مخلفة  عشرات الجثث التي تحولت الى كتل من اللحم والعظم لاصقة على الطريق.

     وهنا أود أن اسجل ـ للتاريخ والأجيال ـ أن الروح الجهادية المعطاءة، كانت ولا تزال الميزة الاساسية التي يتحلى بها أهل الفيحاء ـ مدينة العلم والعلماء، كما مدينة الجهاد والإباء ـ وهو ما جعلها فخر الثورات، ومنطلق الحركات التحررية بلا منازع.

المدرسة الاميركية للصبيان :
     في العام 1946 الحقني والدي رحمه الله بالمدرسة الاميركية للصبيان، والتي تضم أبناء معظم العائلات الطرابلسية والشمالية المعروفة.

     وقد أتيح لي في هذه البيئة الجديدة أن أتعرف وفي سن مبكرة على أنماط شتى من الناس والتيارات والأحزاب والطوائف والمذاهب.

     في عام 1953 تخرجت من هذه المدرسة ونلت شهادة الدبلوم High School 

الحضرة الاسبوعية :
     من العوائد التي درج عليها الوالد رحمه الله إاقامته ما سمي [الحضرة الاسبوعية] التي كانت تعقد كل ليلة اثنين، يحضرها نخبة من العلماء والقراء والمنشدين، من أمثال الشيخ نصوح البارودي والشيخ أنور المولوي وغــيرهــــم [الصورة] حيث كان يقرأ القرآن، ثم  تنشد [قصيدة البردة الشريفة] للامام البوصيري، والابتهالات والمدائح النبوية، وفي نهاية المطاف توزع الحلوى والمرطبات.

حكمت شريف يكن مرة أخرى :
     وبالعودة الى جدي لأ ُمي المرحوم حكمت شريف يكن، فقد كان كاتبا ومؤرخا وأديبا عرفته الفيحاء والكثير من العواصم العربية والعالمية.. ولقد ترك العديد من المؤلفات التي لا تزال مكتوبة بيده منها 36  جزءا ً في تاريخ الأديان. قامت زوجتي ـ جزاها الله خيرا ـ بتحقيق وطباعة كتابه [تاريخ طرابلس الشام]

     كان جدي شديد المحبة لي والعناية بي، مما دفعه الى أن يخصني في وصيته بمكتبه العامرة، إلا أن صغر سني في تلك المرحلة حال تنفيذ الوصية بشكل دقيق، حيث ضاعت الكثير من الكتب النفيسة بين اللاذقية وطرابلس.

العائلة وأصولها :
     فاتني أن أشير الى أن عائلتنا  تركية الأصل.. وأن الجد الأول للعائلة غادر تركيا في القرن السابع عشر لخلاف مع السلطان آنذاك واستوطن حلب وطرابلس وأن [حمزة باشا يكن] والي طرابلس هو جد العائلة اليكنية الطرابلسية وأصل شجرتها.

     ويمكن العودة الى شجرة العائلة في هذا الموقع وفي الباب المخصص لذلك .

مجلة الدعوة [ المصرية ] والبداية الحركية

في مطلع الخمسينات ، وتحديدا عام 1952 وصلتني أعداد من مجلة [ الدعوة ] المصرية ، التي يرأس تحريرها المرحوم صالح عشماوي .. والحقيقة أنني تأثرت بهذه الصحيفة تأثرا كبيرا ، حيث أسهمت في بلورة شخصيتي الحركية ، وانتقلت بي من حال التدين السلبي الى حال التدين الايجابي ، ومن دائرة الهم الفردي الى دائرة الهم الجماعي .. كان كل ذلك بداية التأسيس الحركي في حياتي بقدر الله تعالى ومشيئته ..

جمعية مكارم الاخلاق الاسلامية

            كان العام 1953 بداية المسيرة الحركية في حياتي .. رحت أستكشف أجواء المدينة التي ولدت فيها [ طرابلس مدينة العلم والعلماء ]، والتي كنت  غائبا عنها ، ولا أعرف الا القليل عنها .

 سرعان ما ساقني القدر الى المحضن الدعوي الأول  والمتمثل بـ [ جمعية مكارم الاخلاق الاسلامية ] حيث ضمني الى نخبةمن رجالها والعالمين فيها ، وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ صلاح الدين أبو علي [ رئيس البعثة الأزهرية في لبنان ] والتي كانت تضم حوالي 36 أزهريا .

النواة  الأولى:   
   في هذه المرحلة ، ولدت النواة الأولى للعمل الاسلامي في المدينة .

 المجموعة كانت تضم الاخوة الكرام :
 > عبدالرحمن القصاب > مصطفى صالح موسى > الشيخ سعيد شعبان > أحمد فضة > العبد الفقير .

            كان اقبال المجموعة الاسلامية الأولى كبيرا ولافتا على فهم الاسلام فهما صحيحا ، والخروج من دائرة الفهم الوراثي الى دائرة الفهم الحركي ، القائم على المعرفة والايمان والعمل .

            رافق هذا الأمر قيام المجموعة بتنظيم أحاديث دعوية اسبوعية في مسجد [ التوبة ] الذي يقع بمحاذاة نهر ابي علي ، وفي الوسط الشعبي لمدينة طرابلس .

            ولقد عهد الي أن أكون أول المتكلمين في هذا النشاط .. وكانت المرة الأولى التي أتحدث فيها أمام الناس وفي مسجد ، يوم لم يكن يؤم المساجد الا كبار السن والعجائز من أعمار آبائنا وأجدادنا .

اتساع الدائرة واقبال الشباب

            لم يمر عام على بدء النشاط الدعوي حتى توافد الشباب على العمل بفضل الله تعالى .. فأرضية مدينة طرابلس زاخمة بالخير ، كانت ولا تزال وستبقى ، خزانا متوقدا نابضا بالتفاعل مع الاسلام والقضايا الاسلامية في كل مكان ..

صورة للمجموعة الثانية في بهو المسجد المنصوري الكبيرتعد للعام 1954

* * جماعة عباد الرحمن المحضن الثاني* *

* نشأت جماعة عباد الرحمن ـ في بيروت ـ في اعقاب هزيمة عام 1948، كردة فعل اسلامية أفرزها المصاب الأليم .

وكان مؤسسها الاستاذ محمد عمر الداعوق قد عاش المأساة في فلسطين ، وتشرد مع من تشردوا منها الى لبنان ..

* جاء الطرح العفوي لمؤسس الجماعة مؤكدا على أن لهزيمة ما كانت لتقع لو أن العرب قاتلوا تحت راية الاسلام .

ولقد لقي هذا الطرح قبولا زاخما في اوساط العاصمة اللبنانية حيث انخرط في الجماعة آلاف الشباب المسلم ..

الالتحاق بجماعة عباد الرحمن

·        عام 1954 عقدت لقاءات بيننا وبين جماعة عباد الرحمن ، انتهت بالتحاقنا  بها ، وافتتاح فرع لها في مدينة طرابلس ، مما أتاح لنا فرصة الاحتكاك بأوساط العاصمة اللبنانية بيروت وبقية المناطق اللبنانية .

·        كانت هذه المرحلة غنية بنشاطاتها التربوية والدعوية والكشفية ، قبل أن تدهمنا فتنة الناصرية !

·    عانت الجماعة الكثير من آثار الضغط الناصري ، نتيجة الصراع الذي إنفجر بين الاخوان في مصر وجمال عبدالناصر ، والحملة التي شنها هذا الأخير على الحركة .

·        جرت محاولات لاختراق الجماعة سياسيا من قبل التيار الناصري  ، انعكس سلبا على علاقاتنا بها .

·    لدى اندلاع ما عرف بـ " ثورة عام 1958 " على كميل شمعون [ رئيس الجمهوية اللبنانية ] آنذاك ، بسبب قبوله مشروع " أيزنهاور وحلف بغداد والنقطة الرابعة " قمنا بواجبنا في مدينة طرابلس بتوعية الجماهير على الخطر الداهم ، وأنشأنا إذاعة عرفت بـ " صوت لبنان الحر " ، وشارك شبابنا في الدفاع عن المدينة التي كانت مطوقة من قبل الجيش وميليشيات الكتائب والقوميين السوريين ، مما أغاظ قيادة عباد الرحمن التي كانت ترفض رفضا باتا هذا اللون من العمل ، الأمر الذي أدى بالنتيجة الى انفصال مركز طرابلس عن تنظيم عباد الرحمن .

صور من مخيمات جماعة عباد الرحمن التربوية والكشفية

أثر المرحوم الدكتور مصطفى السباعي على مسيرة  العمل الاسلامي في لبنان

  * من تقادير الله تعالى في هذه المرحلة ،أن يأتي إبعاد المرحوم الدكتور مصطفى السباعي في عهد [ أديب الشيشكلي ] من سوريا الى لبنان فرصة لانضاج مسيرة العمل الاسلامي .

  * فهو ـ من خلال استقراره  في العاصمة اللبنانية بيروت ـ دأب على تكوين  جماعة عباد الرحمن وصياغتها على عينه ، من خلال إمدادها بما لديه من علم وخبرات في مجال العمل الاسلامي .

  * ولقد انعقدت بيني وبين الرجل  صلة حميمة استمرت طيلة فترة إقامته في لبنان ، ثم استمرت بعد ذلك طوال فترة مرضه وحتى وفاته رضي الله عنه وأرضاه ، وأسكنه فسيح جناته.

  * ولا يسعني من قبيل الوفاء لهذا العالم الداعية القائد، إلا أن أسجل ما كان له من ايادي بيضاء  وفضل عميم على توجيه وتأصيل المسار الاسلامي في لبنان .

زيارة المرحوم الاستاذ حسن الهضيبي

 المرشد العام للاخوان المسلمين الى لبنان

              عام 1954 زار المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين الاستاذ حسن الهضيبي مدينة طرابلس حيث القى محاضرة في مركز جمعية مكارم الاخلاق الاسلامية ..

·    كلف رئيس الجمعية في تلك الفترة الشيخ صلاح الدين أبو علي رئس البعثة الازهرية  في لبنان  ،  المرحوم الدكتور " صبحي الصالح " بتقديم المرشد العام للحضور، وكان يرافق الاستاذ المرشد في جولته تلك " المرحوم صالح أبو رقيق "

·    القى فضيلة المرشد العام كلمة مطولة تناول فيها الأوضاع العامة التي تمر بها بالبلاد في أعقاب هزيمة عام 1945 والانقلاب الذي قاده محمد نجيب ضد الملك فاروق بدعم من جماعة الاخوان المسلمين ، كما تحدث عن لقاءاته مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية ، ودعا الى تكاتف العرب والمسلمين ، والى اعتماد  الاسلام منهجا لحياة المسلمين .

أذكر أنني وبعض الاخوة رافقناه في جولة قام بها على المؤسسات الاسلامية في المدينة كان منها " كلية التربية والتعليم " وخلال التقاط بعض الصور الفوتوغرافية ابتدر المصور الاستاذ المرشد قائلا :" أرجو من فضيلتكم الانحناء قليلا  لتظهر الصورة كاملة " فما كان من فضيلته إلا أن أجابه باللهجة المصرية وعلى الفور : [ ما تعود تش ] أي أنني لم اتعود الانحناء إلا إلى رب العالمين .

مسجد " أبي سمراء " وذكريات لاتنسى

            خلال ثورة عام 1958  عهد الي مدير أوقاف طرابلس المرحوم الشهيد [ عصام المولوي ] خطابة مسجد أبي سمراء ] وهو المسجد الوحيد الكائن في منطقة أبي سمراء ذات الثقل السكاني والاسلامي ، والتي كانت محاصرة يومذاك من قبل الجيش اللبناني وميليشيات القوميين السوريين والكتائب اللبنانية ..

            كنت محرجا بهذا التكليف مع قناعتي بأهمية قيامي بهذا الدور .. وسبب الحرج عندي هو أن أعضاء البعثة الأزهرية الذين ناهز عددهم الثلاثين في تلك الفترة ، كانوا يؤدون صلاة الجمعة  في نفس المسجد ، وكلهم علماء أفاضل وعلى رأسهم رئيس البعثة الشيح صلاح الدين أبو علي رحمه الله ، بينما لازل فتى يافعا لما تنبت لحيتي بعد ، فضلا عن ضحالة ما كان لدي من علم شرعي .

            حاولت الاعتذار ، وتمنيت على الشيخ صلاح الدين أبو علي أن يقوم بذلك عني ، ولكن أصر الجميع على أن أقوم أنا بذلك ، فلله الأمر من قبل ومن بعد ، ولله في خلقه شؤون .

            ومن ذكريات تلك الحقبة أن المرحوم عصام مولوي كان يحضر صلاة الجمعة  باستمرار في المسجد المذكور .. وبعد صلاة إحدى الجمع قفل عائدا الى بيته كالمعتاد ، وما أن اصبح قاب قوسين أوأدنى من منزله حتى اخترقت رصاصات قناص رأسه وقلبه ، فخر شهيدا أمام عيون أبويه الذين كانوا ينتظرون وصوله  من وراء النافذة .. رحمه الله رحمة واسعة .

            وممن لا أنساهم في تلك الفترة  الشيخ الرباني عمر الرافعي  رحمه الله ، والذي كان يحبني كثيرا ويشجعني على عمل الدعوة والخطابة ، ويحدثني عن ذكرياته مع الامام الشهيد حسن البنا يوم كان في القاهرة ، وكان معجبا به غاية الاعجاب .

            ولما كان المسجد المذكور الوحيد في تلك المنطقة الشعبية ، فقد كان يؤمه الجميع ،  من قوى سياسية وحزبية [ حركة القوميين العرب + حزب البعث + الحزب الشيوعي + الناصريون ] .. وكان من زوار المسجد الدائمين يوم الجمعة المرحوم رشيد كرامي [ ابن الزعيم عبدالحميد كرامي رحمه الله ] الذي عهد اليه تشكيل أول حكومة بعد الثورة .

الغزو الأميركي للبنان الاسطول السادس :

أواخر العام 1958 بدأت أميركا تهديداتها للقوى الوطنية وااشعبية في لبنان ، ولوحت بارسال الاسطول السادس الأميركي  لدعم حكم كميل شمعون المؤيد للسياسة الاميركية وقيام حلف بغداد .

ولقد واجهت الموقف الاميركي هذا حملة واسعة من الاستنكارات شملت الكثير من المرجعيات السياسية والدينية ، كان منها موقف البطريرك المعوشي ، الذي قال بالحرف الواحد :ب إذا وطئت قدما أول جندي أميركي شواطيء لبنان فسأخوض المعركة بنفسي.   وصل الاسطول السادس الى الشواطيء اللبنانية .. وبدأت عملية إنزال الجنود والمعدات الى الاراضي اللبنانية ، دون أن يحرك البطرك ساكنا .

وفي خطبة الجمعة التي تلت ، تناولت الموضوع بمسائلة للبطريرك المعوشي عن العهد الذي قطعه على نفسه .

وعبر إذاعتنا الخاصة [ صوت لبنان الحر ] وجهنا بيانا تحذيريا باللغة الانجليزية الى القوات الاميركية لترك هذا البلد وشأنه، أو لتنتظر غضبة الشعب اللبناني  وثورته !!

اليساريون والاصطياد بالماء العكر


        أذكر أن الخطبة التي تناولت فيها موقف البطريرك المعوشي أغضبت اليساريين ، واغتنموها فرصة للتحريض علي بحجة أن الكلام يثير النعراط الطائفية .. ولم يكتفوا بذلك ، بل تآمروا بليل لوضع يدهم على المسجد ، وصولا لأن يتولى الخطابة عني أحد المشايخ الذين يدورون في فلكهم .. وبالفعل ، فقد  أبرموا أمرهم ، وحشدوا قواهم يوم الجمعة  ودخلوا المسجد مبكرين .. إلا أن إخواننا الذين علموا بمكرهم مصبحين ، قطعوا عليهم الطريق وحالوا دون تنفيذ مؤامرتهم ، وباءوا بخسران مبين ، والحمد لله رب العالمين .

            إعتليت المنبر ، وتناولت الموضوع نفسه لانتزاع ورقة المكر من ايديهم ، وأكدت ما كنت ذهيت اليه في الخطبة السابقة من أن المؤامرة تستهدف المسلمين ، ولا تستهدف القوميين واليساريين والاشتراكيين .. وأكدت على ضرورة الوعي لما يجري ، والعمل على جمع الكلمة ، ووحدة الصف ، والاعتصام بحبل الله .

            كانت الخطبة على قدر كبير من التوفيق بفضل الله تعالى ، مما قطع الطريق على المصطادين بالماء العكر ، وظهر ذلك مليا من خلال ثناء المصلين وتأييدهم لمضمون الخطبة وفي مقدمتهم المرحوم رشيد كرامي .


كتاب رسالة القومية العربية

باكورة مؤلفاتي

         بالرغم من إنشغالي الكبير في يوميات الثورة وما تذخر به من مفاجئات وأحداث ، فقد وجدتني مدفوعا الى الكتابة ، وبخاصة في موضوع القومية العربية ـ نتيجة المناقشات التي كانت تجري بيننا وبين القوميين العرب خلال أيام الثورة ..

            ألأمر الذي كان يميز القوميين العرب عن البعثيين ، أن القوميين لم يتبنوا إيديولوجية معينة ، وإنما كان جل هدفهم منصبا على تحقيق  شعاراتهم في الوحدة والحرية والثأر ، في حين تبنى البعثيون الاشتراكية كمحتوى عقائدي ، مما يتناقض مع الاسلام جملة وتفصيلا .

            إنتهيت في فترة وجيزة من وضع الكتاب ، ودفعت به الى  المطبعة الوحيدة التي تعمل في تلك الفترة العصيبة ، وكان بعنوان [ رسالة القومية العربية ؟ ]

            كان  الكتاب مساعدا بحمد الله في تبيان الموقف من القوميات بشكل عام ، ومن القومية العربية بشكل خاص ، وأن القومية أشبه بإناء يحتاج الى محتوى ، وأن الاسلام هو رسالة القومية العربية

ومحتواها الفكري والعقدي .



انتهاء الثورة واشتداد الضغط الناصري

          إنتهت ثورة 1958 بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية كميل شمعون ، وتحت شعار [ لا غالب ولا مغلوب ] وتم اختيارالجنرال  فؤاد شهاب  رئيسا للجمهورية ، في حين تولى رشيد كرامي رئاسة الحكومة .

          تميزت هذه الفترة بتزايد الضغط الناصري على الحركة الاسلامية  من خلال تدافع الأحداث في مصر ، والمحنة التي واجهتها في عهد جمال عبدالناصر بالرغم من أنها كانت الحركة الشعبية الوحيدة التي دعمت وساندت الضباط الأحرار في الانقلاب على الملك فاروق ، إنما لم يكن عبدالناصر وفيا لتعهداته مع الاخوان المسلمين ، وسرعان ما تنكر لهم وزج بهم في غياهب السجون ، إضافة الى أحكام الإعدام التي أنفذها في عدد من علمائهم وقادتهم ، وفي مقدمتهم الشهيد عبدالقادر عودة ، والشهيد سيد قطب .

          وبالرغم من قسوة الظروف التي نشأت فيها الجماعة فقد كانت الهمم عالية والنفوس كبيرة والخطى ثابتة بفضل الله تعالى ، مما جعل العمل يتسع ويمتد ، يظلله اعتصام بحبل الله تعالى قوي وعظيم ، وأخوة في الله جعلت الصف كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا .


moncler