louis vuitton
ugg online
التعريف بالمؤسسة
نشاط سالم يكن
بيانات ومواقف
الإخوان المسلمون
الحركات الإسلامية
الجماعة الإسلامية
فقهيات معاصرة
مراصد الموقع
أبواب دعوية
إستشارات دعوية
حوارات ومحاضرات
بأقلام الدعاة
مواقع صديقة
ملفات خاصة
اتصل بنا


  قرأت لك | أكرم خضر (1942-2005): العائد إلى فلسطين…شعراً  -  19/12/2012 المكتب الاعلامي في مؤسسة الداعية فتحي يكن الفكرية الانسانية

” هناك…هناك أختتم المقالا”…على أرض فلسطين اختتم إحدى قصائده، التي سكنت الأرض المقدسة أبياتها مثلما استوطنت روحه وعقله منذ نعومة أظفاره. ولكن نفسه العابقة بالنضال والثورة فاضت إلى بارئها قبل ان تكتحل عيناه برؤية بيت المقدس، وكنيسة القيامة،وبعد ان كان شاهداً ناقماً، وصوتاً صارخاً في وجه هزائم العرب المتتالية التي بدأت العام 1948، حين كان ضيفنا طفلاً صغيراً لم يجاوز السادسة من العمر، ولم تنته مع اتفاقيات السلام، أو قل الاستسلام، التي أنست العرب وطناً كان يمتد من البحر إلى النهر، ومسخت فلسطين إلى مجرد ذكرى، وصدى يتردد في أبيات شاعرنا وصدى صوته.



وعلى منوال تمسكه بالحق العربي، نسج الشيخ أكرم خضر في مهنة المحاماة التي أعطاها نصف عمره، فكان متمسكاً بالعدل، وساعياً للدفاع عن المظلومين أنى وجدهم، ولو دفع ضريبة لذلك من وقته وجهده، وربما بعض ماله…فالكل يهون في سبيل إقامة العدل والقسطاس، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

خطيب مفوه، محام مقدام، وشاعر ملهم..ربما كانت هذه الكلمات كافية للدخول على حضرة روح رجل، لم تسعه عقود ستة من الزمن، ليفرغ كل ما في جعبته من خير عميم، وخلق كريم.
أكرم خضر…رحلة الحياة
ولد في اللقلوق في 15-03-1942، درس الابتدائية في مدرسة المقاصد الإسلامية في جبيل. أكمل الدراسة الثانوية في أزهر لبنان في بيروت. تابع دراسته لينال إجازة في الفقه الإسلامي من جامعة الأزهر في القاهرة عام 1967. بعدها عمل كمدير لمدرسة المقاصد الخيرية الإسلامية في البترون عام 1968، حيث شغل منصب رئيس دائرة أوقافها، وكان إمام وخطيب مسجد المدينة في العام 1969. وفي أوائل السبعينات، كتب “الفريد في فن التجويد”، وهو يدرَّس في بعض الجامعات على مساحة الوطن العربي، خاصة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج. تزوج عام 1973 من حكمت حمادة، معلمة التاريخ في عدد من المدارس في عكار وجوارها، وأنجب منها ستة أبناء، شابين وأربع بنات. انتسب للجامعة العربية لينال إجازة في الحقوق عام 1976. بعد ذلك بعام واحد، انتسب إلى نقابة المحامين في طرابلس، كما كان أحد مؤسسي اتحاد الحقوقيين المسلمين. شغل منصب مدير ثانوية الإيمان في بيروت عام 1978. وفي العام 1980، استقر في طرابلس، حيث شغل منصب رئاسة “بيت الزكاة وكافل اليتيم”. وبدءاً من الثمانينات، حمل ضيفنا لواء العمل الإسلامي والدعوي، كما سيأتي تفصيله لاحقاً، فكان الخطيب والمحامي والشاعر، إلى ان وافته المنية في مطلع كانون الأول عام 2005.”

في خدمة الإسلام:
لم يكن أكرم خضر مسلماً “على الهوية” فقط، مع اعتزازه بهويته الإسلامية قبل أي شيء. ولكنه فهم الإسلام رسالة حياة، ومنهجاً تنتظم في سلكه مختلف جوانب الفكر والعمل. وقد بدأت حركيته الإسلامية مع “جماعة عباد الرحمن”، لدى تأسيسها في الستينات، ولكنه لم يتخذ طرفاً مع أحد ضد أحد، وذلك من ضمن سعيه لتوحيد الصف الإسلامي قدر المستطاع. وفي تلك المرحلة، وحتى تاريخ متقدم، كانت المجموعتان الأنشط في العمل الإسلامي، هما “الجماعة الإسلامية” و”حركة التوحيد الإسلامي”. حيث كانت له مشاركات شعرية في احتفالات هاتين الجهتين، كما جمعته علاقة وطيدة بأمين عام حركة التوحيد في حينه، الشيخ الراحل سعيد شعبان.

وعلى صعيد العمل الميداني، فقد تنقل الراحل بين مساجد طرابلس، من الجامع الحميدي، الذي خطب فيه حوالي السنتين، إلى الجامع المنصوري الكبير، إلى محموعة من المساجد التي كان يتنقل بينها بناء على توجيهات دائرة الأوقاف الإسلامية، لا سيما إبان الحرب اللبنانية.



تحت قوس المحكمة
وفي الشق الحقوقي، كان أكرم خضر يعتبر أن المحاماة مسؤولية ينبغي تسخيرها في الدفاع عن المظلوم أنى وجد، خاصة في أوائل التسعينات، عندما كان هناك نوع من التشدد في العامل مع الشباب الملتزم دينياً، ما أدى به إلى أن يتبنى احتضانهم بشكل أو بآخر، وكان يرى انه إن صدر من أحدهم أي تجاوز للقانون، فلا ينبغي تلفيق التهم جذافاً لكل ملتحٍ أو ملتزم. ولم يتخذ الراحل المحاماة مطية لتحقيق الثروة والشهرة، بل سخرها للتواصل مع أكبر شريحة ممكنة من أبناء المدينة، خاصة وأنه يجمع إليها الشعر والعمل الديني. هنا يذكر نجله عمر بشيء من الغصة الممزوجة بالفخر، أنه أثناء جنازة والده، حاول أحدهم منعه من حمل النعش، وعندما قال له:” أنا ابنه”، أجاب الرجل: “لست وحدك…بل كلنا أبناء الشيخ أكرم”. كما قال له أحد المشيعين أيضاً: “لو كان والدك يبغي جمع ثروة، لربما كان أصبح من أغنياء البلد”. ولعل من أشهر محطاته في الحقل الحقوقي، أنه تولى الدفاع عن الشبان الذين اتهموا بقتل رئيس “جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية” الشيخ نزار حلبي، في منتصف التسعينات، التي اتهمت بها مجموعة واسعة من الشباب، ثم حصر الاتهام بالقتلة الثلاثة المباشرين الذين أعدموا لاحقاً، وقضية المتهمين بما كان يعرف بـ”أحداث الضنية”، مطلع العام 2000، واستمرت حتى العام 2005، حيث كانت آخر مشاركاته العامة، عندما نظم احتفال تهنئة بخروجهم في نيسان من ذلك العام، وزاره بعدها وفد من هؤلاء الشبان وحملوه على الأكتاف من مكتبه الكائن في ساحة النجمة في طرابلس.   

الأيام الأخيرةمطلع صيف العام 2005، وتحديداً في حزيران، يدأ وضع شيخنا يتدهور شيئاً فشيئاً، خاصة وأنه أصيب بسرطان في الدم، حيث كان يعالج في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، على ما يروي نجله، الذي يتذكر تلك اللحظات برباطة جأش كبيرة. وسرعان ما انتشر هذه المرض في جسده. ويتابع ابنه الحديث قائلاً:” ربما قدّر الله أن الوالد أنهى رسالته التي جاء إلى الدنيا، ونذر نفسه من أجلها، فآثر أن يقبضه إليه. وفي أيلول من نفس العام، سرت شائعة في المدينة عن وفاة الشيخ، وانطلقت مكبرات الصوت تعلن عن ذلك. حتى أنني لدى وصولي في ذلك اليوم من المستشفى بيروت إلى طرابلس، فوجئت بأن كثيراً من الناس بدؤوا يعزونني. وفي ظل المزيد من تدهور وضعه الصحي، وضع المرض حداً لحياته في نهاية العام نفسه كما أشرنا”.

ويستمر عمر خضر في تذكر اللحيظات الأخيرة من عمر والده، فيقول:” كنت في السابعة عشرة من عمري في ذلك اليوم، وكانت والدتي ملازمة لوالدي الراحل على فراش المرض، حيث كانت لا تزور المنزل إلا كل ثلاثة أشهر تقريباً، ولمدة يومين فقط. وصباح ذلك اليوم، استيقظت باكراً على صوت والدتي لتخبرنا بوفاة الوالد، وكنت حينها طالباً في البكالوريا، القسم الثاني. ورغم هول الخبر، فلم يكن مفاجئاً لنا، خاصة وأننا كنا “نعيش هذه الأجواء”، لاسيما بعد سريان الشائعة الآنفة الذكر. حتى أنه في أحد الأيام، وبينما كنت راقداً إلى جانبه في المستشفى، استيقظت على أصوات الأطباء، التي كانت تدعو إلى إعطائه “أملاً في الحياة”… وقد صلي على جثمانه عقب صلاة الظهر في المسجد المنصوري الكبير.”

تشييع مهيب
ومن الطبيعي لرجل كأكرم خضر، أن تكون مشهدية جنازته محطة بارزة في تاريخ المدينة، لما كان يمثله في وجدان أبنائها. هنا، يستذكر الابن هذه الصورة قائلاً: ” إنه مشهد لا ينسى…فقد خرجت طرابلس بشيبها وشبابها لوداع الجثمان من المسجد المنصوري الكبير إلى مدافن الميناء المجاورة لمسجد عثمان بن عفان، ورغم ذلك فلم يستغرق وصول الجثمان أكثر من ربع ساعة.” ويردف:” لعل أكثر ما يثلج الصدر، أن ذكراه العاطرة لا تزال بين الناس، ولا يزال الدعاء بالرحمة يتردد على قلوبهم قبل الألسنة.”

شخصية “قوس قزح”
انطلاقاً من عمله في عدة مجالات، من الدين إلى الشعر إلى الحقوق، كان لا بد لهذه الجوانب مجتمعة، من أن تنعكس على شخصية الراحل، وتطبع كل منها، نفسه بطابعها. هنا، يشدد ابنه على ان كلمة واحدة تكفي للتعبير عن والده، وهي أنه كان “صاحب قضية”، يعبر عنها بأشكال مختلفة، هي قضية نصرة الحق حيث كان. فقد تمكن من تطويع الخلفية القانونية، والموهبة الشعرية، إلى جانب مخزونه من الفقه الإسلامي، للدفاع عن المظلومين.” من هنا، فقد سعت العائلة بعد وفاته إلى إصدار ديوان يجمع كل ما كتب شيخنا، ومن المتوقع أن يصدر في وقت لاحق.

القدس…عروس الشعر وقِبلته
رغم هذه الشخصية الجامعة، فإن الشيخ أكرم، قد يمم وجهه في شعره، وحياته برمتها، شطر القدس والأقصى…فقلما خلت قصيدة من قصائده من الهم العربي والإسلامي، رغم أنه كتب في بداياته، ككل شاعر، خواطر غزلية، إلا أنه اعتبر فيما بعد أن ذلك لا ينتمي إلى جوهر مهمته ورسالته الحياتية التي نذر نفسه من أجلها. ويروي عمر أن “عدوى الشعر”، قد انتقلت من الوالد إلى عدد من ابنائه الذين حملوا الهم نفسه.

ومن هذه الغزليات النادرة، التي كتبها في مطلع حياته الشعرية، قصيدة له مطلعها:

“ذكرى لعمري من الأعماق أتركها…….عند الأحبة بين الصخر والبان”.

ويقول في بيتين تاليين:

” يوم انحدرنا  وشمس الأفق قد أفلت….فأشرقت في ثرى “اللقلوق” شمسان

  هذي من الحور، ويلي من غدائرها……وتلك قافت ظباء الإنس والجان”.

ولكن شيخنا، آثر فيما بعد ان يدع الغزل، إلا بفلسطين، وأن لا ينظم الشعر إلا لعيني حورية العرب. ومن اروع وأبرز ما كتب في هذا المقام قصيدة بعنوان ” عرس الاغتصاب”، هذا بعض من أبياتها:

” سلموا القدس الأبية…..سلموا أحلى صبية

سلموها في ثياب العرس…للغازي هدية

سلموها لبني صهيون….بكراً يعربية

سلموها وصراخ القدس قد عمَّ البرية”.

ويختم تلك الدرة بالقول:

” لو قتلنا، أو ذبحنا….أو شنقنا يا أخية

رغم هذا، من تراب القدس…لن نعطي حصيّة”.

ولا يرى نجله في هذا الشعر مجرد زخرفة لفظية، بل مصدراً لعلم وحكمة وعزيمة عز نظيرها في هذا الزمن.

صوت شعري مدوٍّ
وعلى ذكر الشعر، فقد تميزت قصائد الراحل، إلى جانب النفس الثوروي، بوقع مجلجل يبدو من خلال جزالة اللفظ، ومتانة التركيب، وكأنا برجل يجمع تحت عباءته فروسية المتنبي وأبي تمام، إلى حكمة زهير وأبي العلاء.

ومن أبلغ ما يدل على ذلك قوله في رثاء خليل عكاوي “أبي عربي”:

مثل الصحابة في الأخلاق والأدب…..كأنما عمر الفاروق لم يغب”…إلى أن يقول:

” قد قاتل البغي والطاغوت منفرداً….كل الطواغيت خافت من أبي عربي”.

وفي قصيدة بعنوان “رسالة من الأقصى”، يتنقد حكام العرب بسخرية لاذعة، فيقول على لسان الحرم السليب:

” وأشكر كل قادتكم…ملوك العار والدجل

فهم باعوا عروبتهم…إلى العزى…إلى هُبَلِ

وباعوني أنا الأقصى…إلى يهوى بلا خجل….”

وتنتهي رحلتنا مع شيخنا الجليل، على وعد بلقاء روحه يوماً ما، في الأرض التي أحب وعشق، في فلسطين التي غادر الدنيا، قبل ان يبصرها حرة، وربما لحسن حظه، قبل أن يتحسر على مزيد من الدماء التي أريقت على ثراها.

  عرض كل الأخبار
moncler