تجارب | الدعوة الى الله : بقلم فضيلة الشيخ الدكتور عبد المنعم بشناتي (الحلقة الثالثة) | الحلقة الثالثة
بقلم فضيلة الشيخ الدكتور عبد المنعم بشناتي رئيس قسم الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الجنان – طرابلس – لبنان .
تابع ميدان الدعوة
أولا ً : التكليف الرباني بالدعوة : قال الله تعالى :" [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ] {يوسف:108} .
الدعوة الى الله (سبحانه وتعالى) ميدان خصب مدعوّ إليه كل من كان عنده هذه الطاقة لحمل لواء العمل الإسلامي ، وفي تعبير الآية الكريمة : [أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي] . والعمل الدعوي مشروط ومنضبط بالمنهج الرباني الذي ارتضاه رب العالمين . فالمنهج الرباني يحدد أسلوب الدعوة وكيفيتها وطريقة تطبيق التكليف والانتهاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتثبيت العقيدة واتباع الطرق المثلى في كثير مما هو في صلب الدعوة ، لكي لا تنقلب نتائج الدعوة رأسا على عقب . والدعوة الى دين الله تكليف شرعي وأمر رباني لمن عنده ملكة الدعوة ، أو يجد نفسه قد تأهل لذلك - يعني ذلك أن الداعية قد اتصف بكثير من صفات الدعاة - فالداعية المؤمن بالله (سبحانه وتعالى) يتلقى الأوامر من رب العالمين بالقيام بأمر الدعوة ، فالأمر الرباني بالقيام بالدعوة أولا ً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم لبقية علماء ومشايخ ودعاة الأمة ، قال تعالى : [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ] {الحجر:94} . حيث أمر الله (سبحانه وتعالى) كل مكلف بالدعوة وتبليغ كلمة الله (سبحانه وتعالى) لجميع الناس . وقول الله تعالى : [أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ] {يوسف:108} تحمل في طياتها الكثير من المعاني الرائعة واختيار أفضل الأساليب لتحقيق المقصد الأساس من الدعوة وبلوغها قلوب الناس والتزامهم بها ، فالدعوة الى دين الله (سبحانه وتعالى) يكون على بصيرة ووعي وثقة بالمنهج الرباني : الحكمة والموعظة الحسنة، وبطريقة واضحة لا خفاء فيها ولا غش وإعلان وبيان ساطع ، لاريب فيه ولا نفاق ، فينطق بالحق وما أنزل الله (سبحانه وتعالى) من آيات كريمة ، فيعلن كلمة التوحيد وكلمة الحق ، يقول الله تعالى : [وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا] {الكهف:29} فالداعية يعلن للناس أن الإنسان له أن يؤمن أو يكفر ، ولكن الكافر عليه العقاب قطعا ً يوم القيامة ، فالحرية في انتقاء العقيدة في الدنيا ترَكها الإسلام على مسؤولية الفرد نفسه ، فيعتقدونها حرية فكرية أو شخصية ويستدلون بالآية الكريمة ، والآية الكريمة أعطت الحرية في ذلك وهذا صحيح ، ولكنها حملته تبعات تصرفاته فيلقى ذلك في الآخرة . والدعوة إعلان صريح أمام المجتمع الملحد والوثني والضال لكلمة الحق بشجاعة لا نظير لها ، قال الله تعالى مخاطبا الرسل عليهم السلام وجميع الدعاة : [قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا] {الجنّ:20} فقد أعلن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جميع القرآن الكريم بما يخص مجتمع قريش الوثني وهو بينهم ، فتحمل أذاهم وصبر على مقولاتهم الجاهلة فضرب المثل الأعلى للدعاة في مخاطبة الجاهلين . وعلى ذلك فالدعوة ماضية ولا تسقط ، والتكليف مستمر حتى قيام الساعة ، فالدعوة عبادة لله - سبحانه وتعالى - وإسقاطها كبيرة ترتكبها الأمة ، لأن الدعوة الإسلامية أمر من الله (سبحانه وتعالى) . والدعوة الإسلامية ليست دعوة الى حزب أو حركة معينة أوشخصية أوقومية إنها دعوة الى الله (سبحانه وتعالى) وإلى كلمة التوحيد والإيمان ، وإلى ما أوحى الله به الى رسوله (صلى الله عليه وسلم) يقول الله (سبحانه وتعالى) :[وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ] {الرعد:36} . والدعوة الى الله ورسوله إستقامة على أوامره (سبحانه وتعالى) فلا يحيد الدعاة عن ذلك ، فلا يتبع أهواءهم أو رغبته الذاتية وفتن الدنيا ، فالدعوة : الإقامة على الإيمان والعدل والحق ، واتباع منهاج رب العالمين ، وقال الله تعالى : [فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ] {الشُّورى:15} . وفي ميدان الدعوة إلى الله (سبحانه وتعالى) تتخذ الدعوة أشكالا ً منوعة فتظهر الدعوة بطريقة رائعة ، دعوة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا هو المنهاج الرباني الذي أمر به ربنا ، وجوهر الدعوة الإسلامية ، قال الله تعالى : [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {آل عمران:104} و قال الله تعالى :[وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {التوبة:71 } فالمؤمنون يتواصلون بالحق والكلمة الطيبة ، ويرعى بعضهم بعضا ، فيحمون مجتمعهم من الفسق والضلال . فإذا ضلّ المجتمع وعمّ الفساد وانخلع الإيمان من صدور الناس وكثرت المعاصي وكفت الدعوة فإن الله ينزل عقابه عاما ً فيصيب المؤمنين الصالحين والفاسقين الضالين ، يقول الله تعالى : [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {الأنفال:25} وفي الحديث الصحيح روى الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم): (( والذي نفسي بيده لتأمُرُن ّ بالمعروف ولتنهوُن عن المنكر أوليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا ً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )) وقال حديث حسن. ]الترمذي ، كتاب الفتن (34) باب (9) حديث 2170[ . والله سبحانه عادل لا يعاقب أحدا ً لا يستحق العقاب ، ولهذا شدد الخطاب على الناس جميعا ً وشمل معهم الدعاة ، لكي لا يتخلى المسلمون عن الدعوة وتهبط العزائم ، فعندما يحدث ذلك تعمّ الفرقة ، ويسود الخلاف. وتكليف الدعوة لجميع المؤمنين ليقوموا بواجب الدعوة مترابطين وبعمل منظم وجهود متكاتفة ، وفي الوقت نفسه واجب على كل فرد القيام بهذا العمل الشريف ، وهذا الواجب لو تخلى عنه المؤمنون لحق عليهم القول وأخذهم الله بالعذاب ، وهذا الواجب لم تخاطب فئة معينة به وإنما جميع طبقات الأمة ، وفي جميع الأماكن والأزمان يشملهم التكليف ، قال الله (سبحانه وتعالى) مخاطبا ً جميع المؤمنين ليعتصموا بحبل الله ويقوموا بأمر الدعوة : [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] {آل عمران:103} .
للحديث بقية
| |
|