من كتاب: (المتتغيرات الدولية والدور الإسلامي المطلوب)
كلنا يعلم، أن الحاكمية قبل ظهور الإسلام، كانت للقطبية الثنائية، الامبراطوريتين الفارسية والرومية. حيث كانت مسيطرة على العالم وعلى النظام العالمي سيطرة عقائدية وسياسية واقتصادية وعسكرية.. وكانت هنالك خطوط حمراء وأخرى خضراء على مسرح العمليات التي يخوضها الجباران آنذاك.. كان العرب في ذلك الحين على الحال الذي عليه العالم الثالث اليوم.. كانوا رقماً من الأرقام.. وكانوا كما هو الحال اليوم وقود المعارك والصراعات القائمة بين الدولتين العظميين.. روحية النظام الدولي الذي كان سائداً يومذاك لا تختلف إطلاقاً عن روحية النظام الدولي السائد اليوم.. القوي بقوته.. والقادر بقدرته.. هو صاحب الأمر والقرار، والذي يمسك بمصير الشعوب.. يقتل، ينهب، يستغل، يُسخر، يسيطر، يحاصر، يقمع، يبيد كما حصل في هيروشيما وناكازاكي وفيتنام وفلسطين، وأحياناً يحقق مآربه تلك تحت غطاء مكذوب من الشرعية، أو بدعوى صيانة القانون الدولي، كما حدث لشعب العراق وجيشه، بصرف النظر عن الذريعة التي قدمها حاكم العراق.. النظام الدولي قبل ظهور الإسلام، والذي تحكمه وتتحكم فيه القطبية الثنائية، كان يمارس تجاه الدول الصغرى والشعوب المستضعفة كل عسف وتسلط واستغلال وإذلال، تماماً كما هو الحال اليوم.. في تلك الفترة بالذات حصل تحول تاريخي نوعي في نمط التعامل الدولي، ومسار العلاقات البشرية.. حصل ذلك يوم ظهر الإسلام، وشكل بعقيدته وشريعته بنية وأرضية نظام جديد، بدأ عربياً ثم أضحى عالمياً يمسك بالقرار والمصير الكوني، وتمت كلمة الله ونفذ قوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(البقرة:143). عندما قام النظام الإسلامي ذو النمط النوعي الملفت بسماحته وعدالته ومساواته وقيمه وحضارته، كان لا بد له وأن يتعامل مع الحاله المتحكمة والمستحكمة بما ينقض أسسها ويقوض سلطتها وفاعليتها.. تمثل التحدي الأول والأكبر للنظام العالمي السائد يومذاك بإعلان عقائدية هذا النظام الجديد.. جاء ذلك من خلال الرسائل التي بعث بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم إلى رؤساء الدولتين العظميين وإلى ملوك دول أخرى.. - ففي رسالته إلى أهل نجران: (أما بعد، فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب، والسلام)(رواه البيهقي) .. - وفي رسالة إلى هرقل الروم: (سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. وإن توليت فإن عليكم إثم الأريسيين)(رواه البخاري). - كما بعث برسالة مماثلة إلى كسرى ملك فارس. ولقد ترددت روحية وعقائد هذا النظام العالميّ الجديد على ألسنة قادة هذا النظام وأفراده.. فهذا ربعي بن عامر يوم دخل على رستم قائد القوات العسكرية الفارسية يلخص ملامح النظام الجديد بكلمات معدودات جاء فيها: (الله ابتهثنا لنخرج من شاء، من عبادة العباد الى عبادة الله الواحد القهار، من ضيق الدنيا إلى سعتها، من جور الأديان إلى عدل الإسلام. فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا، حتى تفضي إلى موعود الله، قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي..)(ابن كثير:البداية والنهاية،ج8،ص38).
|