في سابقة فريدة افتتح مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور علي جمعة معرض الفنان التشكيلي طاهر عبد العظيم، والذي يتناول سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - برؤية تشكيلية، وقد احتضنت لوحاته قاعة "إيزيس" بمتحف محمود مختار. اعتبر فضيلة المفتي في كلمته أن المعرض يعد نواة صالحة لتوجيه الفن إلى خدمة السيرة النبوية الشريفة، ولتجد هذه السيرة العطرة سبيلها لقلوب الناس وعقولهم من شتى الثقافات والطوائف ، ونعلم أن رسول الإسلام "محمد" صلى الله عليه وسلم جاء للعالمين كافة ، فوجب إبلاغ رسالته بشتى الوسائل المتاحة . التقت شبكة الإعلام العربية "محيط" الفنان مبدع لوحات المعرض ، ودار الحوار حول دوافعه لرسم هذه اللوحات وخططه الفنية المقبلة .. محيط: لوحات معبرة تستعرض سيرة النبي "محمد" .. متى واتتك الفكرة ؟ د. طاهر: أحرص دائما أن تكون موضوعاتي مرتبطة بالناس والبيئة التي يعيشونها سواء شعبية أو ريفية أو غيرها ، ومن الطبيعي لأي فنان يتأثر بشدة بموضوع ويستحوذ على اهتمامه أن يسعى للتعبير عنه ، وأذكر كم حزنت وتأثرت من الرسوم المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وبالمناسبة فمعرضي ليس ردا على هذه الرسوم لأني أرى أننا كمسلمين أكبر من أن ندخل في مباراة رخيصة مع هؤلاء الرسامين الغربيين . ظللت فترة طويلة أفكر بعد أن استفزتني الرسوم هل العيب فيمن رسم أم فينا ؟ ووجدت أن مشكلتنا كمسلمين في إظهار هويتنا للعالم والاعتزاز بها . ثم رأيت أن الفنان الحقيقي لابد أن يتواصل مع جمهوره بلغة يفهمها ، وأن العصر يعتمد على الصورة والصوت بشكل كبير . وعجبت لماذا لم يتناول الفنانون "السيرة النبوية" قبلا، وتوصلت لأن ذلك يرجع لسببين: من جهة الفن يرى بعض الفنانين أن اللجوء لموضوع تاريخي عقائدي مثل هذا يحدد العملية الإبداعية ، والسبب الآخر ديني ؛ فبعض علماء الدين أفتوا بتحريم التصوير والرسم والنحت، وبافتتاح مفتي الجمهورية لمعرضي يكون قد أعطى ردا قاطعا على هذه الفتاوى. أذكر أنه من الصعوبات التي واجهتها في لوحات معرضي الحالي أنني تناولت مادة ثرية للغاية، وهي السيرة النبوية وكانت مليئة بالأحداث الكبرى ومنها انتصارات وانكسارات وصدمات وإيمانيات، وهو تحد كان صعبا ولكنه ممتع أيضا. محيط: كم كان الوقت الذي استغرقته في الإعداد للمعرض ؟ د. طاهر: في البداية عكفت على سيرة الرسول بحثا ، وقد ساعدني تخصصي في كلية الفنون الجميلة شعبة الفنون التعبيرية قسم الديكور ، وكوني متخصصا في المسرح والسينما لأن أتخيل الأزياء والأماكن في عهد البعثة النبوية، ولكن العمل الفني نفسه استغرق عاما ونصف. محيط: كيف أثر معرضك بالجمهور ؟ د: طاهر: بداية تحقق هدفي الأول وهو إيصال حالتي الشعورية حول السيرة النبوية للناس، وحدث تفاعل كبير جدا من الجمهور مع لوحات المعرض، وتمنيت أن يكون المعرض فاتحة لتناول فني لمثل هذه الموضوعات التي تؤكد قيمنا. محيط: في رأيك ما هو السبب الأساسي في غربة الفنان التشكيلي عن الجمهور العربي ؟ د. طاهر: أولا لابد من وجود انفعال صادق من الفنان، فإذا شعر بما يرسم سيصل للناس، الأمر الآخر هو مسألة الوعي ؛ فكثير من الناس يظن أن هذه المعارض يحضرها من توجه له الدعوة مثلا من الفنان ، كما أن هناك فنانين يستخدمون اتجاهات فنية فلسفية لا تصل للبسطاء مطلقا، وأنا أوازن في لوحاتي بين القيم التشكيلية كفنان وبين المتلقي بحيث أتيح له التفاعل مع اللوحة بسهولة . ويعد النقد الفني من أسباب الغربة الهامة ؛ فالنقاد الذين يستخدمون أسلوبا علميا نادرون في مصر مثلا ، وعموما فانا أؤمن أن على الفنان الأخذ بيد الجمهور للتفاعل مع الفن وليس العكس . محيط:حدثنا عن لوحات المعرض وقصة السيرة النبوية خلالها ؟ د. طاهر: ذكرت كم كان الموضوع ثريا بحق، وهو يتحمل تناول عدد كبير من الفنانين له بلا نهاية، وقد وضعت خطة للعمل ، فوضعت نقاط التحول في مسيرة النبي صلى الله عليه وسلم . كانت البداية مع عام مولد النبي في عام الفيل ثم نزول الوحي، وقبلها زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها . تناولت في طفولته معجزة شق الصدر في بيت السيدة حليمة مرضعته ، وموقف إعادة بناء الكعبة، وحادث نقل الحجر الأسود الشهير، وكيف اجتمع أهل قريش على وصف "محمد" ب" الصادق الأمين" ، وكانوا يردون من دون أن يدروا على اتهامه بالكذب والجنون والسحر بعد تبليغ الوحي . معرضي مجرد بداية، وقد وضعت خطة قابلة للتنفيذ بمعونة أية مؤسسة معنية، بأن تتحول السيرة النبوية لأعمال نحتية وفيديو بخلاف الرسم . الفنان يرسم لوحاته محيط: ما الأسلوب الفني الذي اتبعته في معرضك الأخير ؟ د. طاهر: في المعرض الحالي استخدمت سكينة اللون، وألوان الأكواريل. أحب كثيرا التعامل بسكينة اللون، وفضلت تغليب الواقعية في معرضي الحالي ، وهو ما تتيحه هذه الأداة فالسكينة لا تهتم كثيرا بالتفاصيل ، وبالمناسبة لم أتعمد مطلقا هذه المساحة الكبيرة التي خرجت عليها الأعمال وإنما الموضوع فرض نفسه لكي أسلسل الأحداث زمنيا وأضع بعض التفاصيل، وقد استخدمت في المعرض ألوانا زيتية على توال مثبتة على خشب. محيط: ما هي أهم المحطات التي تذكرها بمشوارك الإبداعي؟ د. طاهر: منذ طفولتي وأنا أرسم كل ما أنفعل به، وأعد عاشقا للطبيعة والأماكن والشخوص ، وخرجت لوحاتي معبرة عن بلدتي أو مناطق شعبية مصرية ، أو مناطق طبيعية . الظل والنور كتيمة لها دورا أساسيا في أعمالي. تأثرت بكتاب "إلى ابنتي" للدكتورة نعمات فؤاد، الذي حصل على جائزة اليونسكو، وكان مصنفا ضمن أفضل الكتب العالمية عن الأمومة ، وفيه خلاصة تجربة الفنانة في تربية أبنائها ، وقد فكر الدكتور أحمد فؤاد طاهر ابنها بإعادة طباعة هذا الكتاب مع إضافة بعدا فنيا، وشاركت في ذلك برسم لوحات ظهرت في صفحات الكتاب. وتعلمت كيف أتعايش مع موضوع وأعبر عنه فنيا.
|