قبل نحو سبعة أشهر تساءل الكثيرون: هل ينهي الإسلاميون سنوات التيه في الصومال؟!
وكنا نعتقد أن الردَّ بالإيجاب هو الاحتمال الأقرب للتحقق، وَفْقَاً لعدد من الحقائق والمؤشرات، لعل أبرزها وجود توافق إقليمي ودولي، ولو على مضض، على أنه لا مجال لعودة الاستقرار الى تلك الدولة المفككة إلا بإشراك الإسلاميين في الحكم، أو حتى منحهم الفرصة لقيادة البلاد بشكل كامل.
وهذا ما تحقق بالفعل مع انتخاب الزعيم السابق لاتحاد المحاكم الإسلامية شريف شيخ أحمد رئيساً للصومال، إلا أن رفقاء الجهاد أبوا إلا تكرار السيناريو الأفغاني، مستندين في موقفهم الى اتهامات بالخيانة والعمالة وجهوها لمن كان قبل أشهر قليلة أخاً، ومجاهداً وزعيماً.
المواقف الداعمة لشيخ شريف لم تكن تقتصر على هذا التوافق الدولي والإقليمي، بل حظي الرجل بإشادة وتأييد من العديد من المراجع الإسلامية المعتبرة داخل الصومال وخارجه.
هذا فضلاً عن التأييد الذي يتمتع به وسط قطاعات كبيرة من الشارع الصومالي، بما فيه من قوى عشائرية وإسلامية.
فالرجل لم يهبط على المشهد الصومالي بالبارشوت بل عايش نضال المحاكم منذ بدايته، وأجمع الكثيرون على نزاهته واعتداله ونهجه التوحيدي.
لماذا بدأ الاقتتال؟
إذن ما الذي دفع رفقاء الجهاد، وبالتحديد الحزب الإسلامي وحركة شباب المجاهدين والشيخ طاهر أويس، إلى رفع السلاح ورفض الاعتراف بحكومة شيخ شريف?
رغم أن الرجل أعلن التزامه بتطبيق الشريعة، وناشد معارضيه – مراراً - الاحتكام إلى مائدة الحوار لحل الخلافات وفتح صفحة جديدة، خاصة بعدما خرج المحتل الإثيوبي من البلاد. إلا أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، حيث وضع المعارضون كلاً من شيخ شريف وإثيوبيا وأمريكا وقوات الاتحاد الأفريقي في كفة واحدة، وأعلنوا الحرب على الجميع.
خصوم شيخ شريف استندوا في موقفهم إلى عدة أمور، فهم رفضوا من البداية «اتفاق جيبوتي» الذي خرجت بمقتضاه قوات الاحتلال الإثيوبي من البلاد، وعلى أساسه جرى إدماج المحاكم الإسلامية، (جناح جيبوتي)، في العملية السياسية، مؤكدين أنه لا مجال للتفاوض مع المحتل الغاشم.
كما رفضوا موقف الرجل من القوات الأفريقية، الذي يقوم على التفاوض لتنظيم خروجها بشكل تدريجي، واعتبروا تلك القوات «قوة احتلال» يجب إخراجها بالقوة.
هذا فضلاً عن توجسهم مما يتردد حول وجود قنوات اتصال بينه وبين الأمريكيين، وذلك وفقاً لما يراه خصوم شيخ شريف، الذين لا يخفون تقاطعهم الفكري مع الكثير من الأفكار التي يعتنقها تنظيم القاعدة.
وبناء على هذه الاعتراضات شن المعارضون هجوماً ضارياً، استطاعوا خلاله الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الصومالية، حتى بات نفوذ الحكومة يقتصر على عدة مبانٍ في العاصمة مقديشو وبلدة بلدوين.
لكن الثمن كان فادحاً، حيث سقط مئات القتلى الأبرياء، وتم تشريد عشرات الآلاف هرباً من المعارك التي استخدمت خلالها الأسلحة الثقيلة، وهو ما بدد آمال الصوماليين في التمتع بفترة لالتقاط الأنفاس.
وإذا كانت نيران المعارك جعلت مشاريع المصالحة تتوارى بعيداً، كما أن كثيراً من الوسطاء باتوا يخشون المضيّ في وساطتهم خشية من أن تطالهم اتهامات العمالة والخيانة، فإن خطورة الوضع ربما تتطلب وقفة لإجراء «جردة حساب» ومحاولة استشراف آفاق المستقبل للوضع المتردي في الصومال.
عمالة مزعومة
البعض سوف يسارع الى القول: إن هذا يؤكد عمالة وتواطؤ شيخ شريف مع الإثيوبيين، ومن ورائهم أمريكا، وإن مجرد رضاء إثيوبيا وأمريكا عن حكومته يعد مبرراً للشك في نيات وأهداف الرجل.
فالولايات المتحدة تسعى لتأمين مصالحها في القرن الأفريقي، وهي تتمثل في منع تنظيم القاعدة من إيجاد ملاذٍ آمن في الصومال، كما أن وجود حكومة صديقة في تلك المنطقة الاستراتيجية الهامة، يعد أمراً محبذاً لصانع القرار الأمريكي، الذي لن يتسامح مع وجود حكومة معادية، ولن يتردد في بذل أي جهد متاح للإطاحة بها.
حسابات المصالح
وإذا كان الصومال ببنيته القبلية المتماسكة، وتديّنه الفطري البسيط لا يعد بيئة ملائمة لانتشار الأفكار التي يروّج لها تنظيم القاعدة، فإنه لا مصلحة للصوماليين في تحول بلادهم الى ملاذ للتنظيم ومقاتليه، خاصة في ضوء ما يجره ذلك من تبعات لا قبل لهم بمواجهتها.
كما أنه لا مصلحة لأي حكومة صومالية بمعاداة أمريكا بشكل دائم، بل يجب أن يخضع الأمر لحسابات المصالح والاحترام المتبادل.
أما أن يتوهم البعض في قدرته على خوض معركة مفتوحة مع أمريكا، من خلال الصومال وبدماء أهله، فهذا أمر لا يقره عقل أو دين، ولا طاقة للصوماليين به، خاصة إنه لا يمكن الادعاء بوجود تهديد أو اعتداء أمريكي مباشر على الصومال.
ومن المفارقة أن من عابوا على شيخ شريف شبهة التنسيق مع الأمريكيين، هم من دفعوه لتعميق هذا التنسيق، لدرجة تدخل الإدارة الأمريكية العاجل لتزويد المسلحين الموالين للحكومة بالذخائر لمنع انهيارهم أمام هجمات «شباب المجاهدين».
وهو خيار ربما لم يكن محبذاً لدى شيخ شريف، لكنه كان ملاذه الأخير، لمنع استيلاء المعارضين على قصر الرئاسة، وهذا التفسير لا يعني التبرير بقدر ما يستهدف الفهم فقط.
أما في ما يتعلق بالقوات الأفريقية، فهي موجودة في البلاد طبقاً لقرارات مجلس الأمن، وهي فقيرة في العدد والعتاد.
ولذا فإن تأثيرها العسكري يبدو محدوداً للغاية، وإن كان التقدم الكبير لقوات المعارضة صوب القصر الرئاسي في مقديشو دفعها للانخراط في المعارك بجانب القوات الحكومية، إلا أن تأثيرها على مسار المعارك كان هامشياً، حيث ما زال مقاتلو المعارضة يُحكمون سيطرتهم على القطاع الأكبر من العاصمة.
لكن يبدو أن إدمان البعض للقتال وارتباطه بأهداف ومصالح تتجاوز حدود وطاقة الصومال، رجح قرار الحرب على خيار المصالحة.
|