في الوقت الذي يواصل فيه ساركوزي (كرر رفضه يوم الثلاثاء 5 مايو/أيار 2009)، ومعه اليمين الفرنسي الحاكم، معارضته لانضمام تركيا إلى أوروبا وفي الوقت الذي يسلّط سيف “الإبادة الأرمنية”، أو ما اصطلح على تسميته بذلك على رقبة تركيا، وفي الوقت الذي كشفت فيه تركيا، خصوصا مع النظام الإسلامي الحاكم، أنها لاعب دولي وإقليمي كبير جدا، يُحتاج إليها في كل القضايا الإقليمية إن في ما يخص الصراع العربي “الإسرائيلي” أو المسألة النووية الإيرانية والعلاقات الأمريكية الإيرانية أو غيرها وحتى المأزق الغربي في أفغانستان.. صدر كتاب للسياسي الفرنسي الكبير ميشيل روكار، رئيس الوزراء الفرنسي السابق في عهد الرئيس ميتران، بعنوان “نعم لتركيا” يدافع فيه صاحبه بشكل مفتوح،قلما عبر عن مثل ذلك زعيمٌ سياسي غربي، عن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. يستشهد ميشيل روكار، وهو من بين أهم الساسة الفرنسيين ثقافة وانفتاحا في بداية كتابه المهم بأبيات للشاعر التركي الكبير ناظم حكمت: “هذا البلد الذي يشبه رأس فرس قادمة، في عدْوها السريع، من آسيا القصيّة كي تغطس في المتوسّط، هذا البلد هو بلدنا. [...] العيش مثل شجرة، وحيدا وحرّا، العيش بين إخْوان مثل أشجار غابة، هذا الانتظار هو انتظارنا”. يرى روكار أن لِمُعارِضي الترشيح التركي الحق في الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل أن بلدا عضوا يحتل أراضي بلد عضو آخر. وهو هنا يشير إلى تواجد ثلاثين ألف جندي تركي في شمال جزيرة قبرص، منذ سنة ،1974 ويبدو أن النظام التركي يعرف جيدا هذا السيف المسلط على رقبته، والذي يحدّ من مناورته، خصوصا أن لليونان تأثيراً كبيراً في الاتحاد الأوروبي. ولهذا السبب شاركت تركيا في البحث عن حل لهذه المعضلة. “في سنة ،2004 اقترحت الأمم المتحدة تشكيل جمهورية قبرصية متحدة، مشكلة على نموذج الكونفدرالية السويسرية وتتكون من دولتين مستقلتين بشكل واسع، دولة يونانية في الجنوب وأخرى تركية في الشمال. وتفادياً لأي تدفق من القبارصة اليونانيين على شمال الجزيرة، فإن معدلهم لن يتجاوز 18 في المائة في المنطقة التركية، اي ما يعادل مائة ألف شخص. (...) ولكن الاستفتاء التأكيدي على هذه المقترحات الأممية، رفضه القبارصة اليونانيون، للأسف، بأغلبية كبيرة، بينما وافق عليه القبارصة الأتراك”، ولأن الفشل، هذه المرة، جاء من القبارصة اليونانيين فإن الأمر يجعل “من الصعب على تركيا أن تقبل تضحيات جديدة في المفاوضات حول حل وسط”، كما أن تركيا ترفض ما يطلب منها بخصوص فتح موانئها ومطاراتها لقبرص (اليونانية)، التي قُبِلَت عضوا في الاتحاد الأوروبي”. الانطواء يقول روكار ان الكثير من الأتراك لا يصدقون قبول تركيا يوما في الاتحاد الأوروبي. ويعرج على مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي بدأت سنة ،2005 ولكن بعد ثلاث سنوات فقط تم فتح ثمانية فصول من بين ستة وثلاثين فصلا، وتم الاتفاق على فصل واحد. “اليونان وقبرص تعارضان فتح ثمانية فصول، ومنذ سنة ،2007 تعارض فرنسا فتح أي ملف، وخصوصا الفصل المتعلق بالاتحاد النقدي مثلا، الذي يمكنه أن يكون شرطا للاندماج التركي مع الاتحاد الأوروبي. ويحكم روكار:”الكيل بمكيالين”، هو ما يستنتجه الأتراك من هذه العصي التي توضع في طريقهم. “إن بولونيا، وحتى رومانيا وبلغاريا، تلقت بطاقة الدخول، من دون أن يُنظر في ملفاتها بشكل دقيق، ولكن الأمر مختلف بالنسبة لتركيا. والذي يزيد الطين بلة هو أن الأتراك يرون العديد من العمال السريين البلغار والرومانيين يبحثون عن الشغل في اسطنبول”. ويضيف ان الرأي العام في العديد من الدول الأوروبية ينظر بقلق إلى احتمال الانضمام التركي. وخصوصا الدول التي تتوفر في بلدانها على أقليات تركية مهمة والتي تواجه، بشكل يومي، مشاكل الهجرة والاندماج. ويقول ان تركيا خسرت كثيرا مع خروج وزير الخارجية الالماني السابق يوشكا فيشير (من حزب الخضر) من الحكم. والأمر يختلف كثيرا مع وصول المستشارة انجيلا ميركيل إلى السلطة، إذ إنها تشجع مسار الدمقرطة المرتبط بالمفاوضات، لكنها ترى في المحصلة النهائية أنه يتوجب اقتراح “شراكة متميّزة مع تركيا، هذا الاقتراح عن “شراكة متميزة” التي ينظر إليها باعتبارها صفعة للنخبة التركية، التي ترى محتواه فارغاً”. ويرى روكار أن “اتفاق الشراكة لسنة 1963 وكذا الاتفاق الجمركي لسنة ،1996 يمثلان في حد ذاتهما وضعية خاصة”. وينظر روكار من زاوية ان الغرب يحتاج إلى الطاقة. وتركيا في هذا المجال تحتل دورا مركزيا. “وخمسة من بين الجمهوريات الإسلامية السوفييتية السابقة تتحدث اللغة التركية. يتعلق الأمر بكازاخستان وأوزبكستان وتركمنستان وقيرغستان وأذربيجان. الحضور الروسي لا يزال كثيفا ولكن التأثير الإقليمي والثقافي لتركيا مهم جدا”، وهذه الجمهوريات يتنازعها تياران سياسيان، أي التأثير المهيمن ولكن في الطريق إلى الزوال للطغمة الحاكمة وأيضا صعود إسلام أصولي. والحل، كما يراه روكار هو في كون “القرب التركي يمكنه أن يساعد على ظهور تيار ثالث، أكثر علمانية وحاملا للعلاقات الدولية المستقرة والسلمية”، ويضيف: “كم ستكون الإهانة كبيرة لتركيا إذا رُفض انضمامها إلى أوروبا، إذ إنها ستغيّر الخطاب والتأثير التركيين في اتجاه معاد للغرب وبشكل خاص سيكون معاديا لأوروبا، وإذا سيكون في اتجاه مُوال لآسيا” ويرى روكار أنه في هذه الحالة “سيكون ثمة خطرٌ على مستقبل المنطقة وعلى علاقاتنا التجارية مع هذه الدول. والأمرُ يُرى، اليوم، بخصوص خط أنابيب الغاز وقربها أم لا من الحاجيات الأوروبية. وهذا ما ينطبق على عملية تدشين أنبوب النفط سنة 2005 الذي ينطلق من باكو في أذربيجان وينتهي إلى ميناء شيهان في تركيا من دون المرور على روسيا”، ولا يسع روكار في لعبة شد الحبل بين الغرب وروسيا في موضوع الطاقة، إلا أن يُشيد بموقف تركيا الموالي دائما للغرب. لتركيا أهمية كبرى، فالجيوسياسة لا تتوقف عند هذا الحد. فمن تركيا ينبع نهرا الفرات ودجلة. تركيا تعتبر خزّانا للماء بالنسبة للعراق وسوريا ولبنان و”إسرائيل”، وهذا يشكل مصدرا لصراعات كبيرة بين الجيران. من أين تنبع أهمية الماء التركي على أوروبا؟ المسألة اسمها دولة “إسرائيل” “والمنطقة تعيشُ مع حضور لدولة “إسرائيل” وهو ما لا يزال مثار جدل”، وهنا يمكن لأوروبا، كما يرى روكار، أن تستفيد بشكل كبير جدا من الوضعية التركية. الموالون لفرنسا يفقدون الأمل فرنسا التي كانت مؤيدة خلال فترة طويلة بدأت تعود القهقرى، مترددة، وما قيام الرئيس السابق جاك شيراك بإدراج مبدأ الاستفتاء حول كل ترشيح جديد، في الدستور الفرنسي، إلا استهدافا مباشرا وصريحا لتركيا.ولهذا أحست تركيا بكثير من الغبن من الموقف الفرنسي، وهو ما دفع بالكثير من الشركات الفرنسية إلى خسران أسواق تركية، وبشكل خاص غاز فرنسا. كما أن تصريحات ساركوزي الصريحة زادت الطين بلة. وهي “تصريحات ترسل تركيا إلى آسيا الصغرى وتعارض انضمامها للاتحاد الأوروبي”. ويصف روكار الوضعية المقلقة للنخبة التركية: “لقد قلّ الأتراك الموالون لفرنسا، ولطريقة العيش الفرنسية، كما أن الليبراليين الذين يدفعون في اتجاه إجراء إصلاحات يكتشفون أن التصريحات الفرنسية تغذّي لعبة القوميين الأتراك المتطرفين. كما أن الديمقراطيين والتقدميين يحسون قليلا بأنه تمّ التخلي عنهم”. ويعتقد روكار أنه يتم توظيف الترشح التركي في المسائل السياسية الداخلية في العديد من الدول الأوروبية، وبشكل خاص فرنسا وألمانيا والنمسا، كما أن أنصار تركيا، من الإسبان والبريطانيين أو الإيطاليين، خفت صوتهم. ويقول لا يفهم الساسة الأتراك كيف أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قبلت سنة 2002 و2003 قرار المحكمة التركية، المدعومة من قبل المؤسسة العسكرية التركية، بحلّ حزب الرفاه، الذي انبثق منه الحزب الحاكم حاليا.كما أن الأتراك لم يفهموا القرار الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سنة ،2005 الذي أكد أن حظر لُبس الحجاب الاسلامي في الجامعات التركية مطابقٌ لحقوق الإنسان. “يتوجب على بنات مسؤولي حزب العدالة والتنمية التركي، بنات طيب أردوغان وعبد الله غول وغيرهما، أن يواصلن دراساتهن في ألمانيا وفي النمسا أو في الولايات المتحدة، حيث يُسمَح بارتداء الحجاب”. ويرى روكار ان الأوضاع في تركيا غير مستقرة، لأنّ السيوف مشهرة بين أنصار العلمانية المتطرفين والمدافعين عن الجمهورية وبين الإسلاميين. والمحكمة الدستورية المقربة من المؤسسة العسكرية تجعل أيام النظام الحاكم صعبة. الكمائن في كل مكان. “يُتَّهَم النظام الحاكم بإخفائه أجندة سرية تروم فرض الشريعة الإسلامية في تركيا”، ويقول ان وضعية تركيا سريالية فعلا. الكماليون (أنصار مصطفى كمال) يتشنجون في مواقفهم القومية والمعادية لأوروبا، الاتحاد الأوروبي يدفع في اتجاه معاودة الإصلاحات، وحكومة حزب العدالة والتنمية لا تريد أن تعطي الانطباع بخضوعها للأوروبيين. وفي الحقيقة تبدو تركيا في وضع سيء. لا أحد كافأها على الخدمات الجليلة التي قدمتها للغرب. ولا أحد يفهمها على الرغم من كل التضحيات التي قدمتها للغرب. الدور الرئيسي في الحرب الباردة ضد جارها الأعظم الاتحاد السوفييتي، وأيضا كونها أول بلد إسلامي يعترف بدولة “إسرائيل”، سنة ،1949 كما أنها طورت علاقات تعاون وثيق مع الدولة اليهودية. كما أن البلدين وقّعا، سنة ،1996 على شراكة استراتيجية تتيح للطيران “الإسرائيلي” أن ينظم تدريباته في الأجواء التركية كما أن الجيش التركي يمكنه التزود بالسلاح “الإسرائيلي”. والأمر لا يقتصر على هذا فتركيا أرسلت جنودا لحفظ السلام في جنوب لبنان كما أنها تقوم بدور التقريب بين السوريين و”الإسرائيليين” وبين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”. ويقول روكار إن تركيا (التي قدَّرت عدد المهاجرين السريين المتواجدين على أراضيها والراغبين في الالتحاق بأوروبا ب 300 ألف من باكستانيين وإيرانيين وعراقيين وسينغاليين وماليين، إلخ) تستطيع أن تفعل الكثير بالنسبة لأوروبا، وبشكل خاص “يتوجب عليها أن تحارب بقوة وبفاعلية ضد مأساة عصرنا التي تمثلها التجارة بالبشر”. الانفتاح على الإسلام ويقول روكار ان تركيا بلد إسلامي، وهو اختلافٌ يحيل بوضوح إلى الصراع الثقيل الذي وقع بين الامبراطورية العثمانية وأوروبا المسيحية. وينظر إلى هذه الوضعية ببراغماتية كبيرة، “يمكن للأمر أن يكون عائقا، إذْ إن الثقافة الإسلامية طوّرتْ طرقا للحياة ووضعية للمرأة وعلاقة مع التقنية ومع التقدم ومع المال، تختلف عنا. ولكن المجموعة الإسلامية العالمية تتجاوز مليار نسمة. ولهذا لا يُعقل ألا تحاول اندماجا أفضل في المجتمع الدولي. إلا أني أعتقد أن انبثاق أفضل العلاقات بين الحضارة الغربية والعالم الإسلامي ليس فقط مسألة قوانين على الحدود والتبادلات. إنه أيضا من الضروري تعلّم العيش المشترك”. ويقاوم روكار مشاعر الرفض الأوروبي، وخصوصا الفرنسي، لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ويصر على النظرة السلبية إلى الإسلام التي ستشجع المسلمين على الانطواء الهوياتي، “حيث يُعبّر عن الأمر من خلال دوغمائية تكون ترجمَتَهَا الإسلامويةُ الراديكالية”، ويضيف: “إن بناء الإسلام الأوروبي الذي ستكون الأقليات الإسلامية في أوروبا الغربية ولكن أيضا الاسلام التركي سيمثّل فرصة تاريخية”. يريد روكار أن يجعل من تركيا مختبرا للعلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والعالم العربي. “ولنكن على ثقة بأن الدول العربية المجاورة ستتبع عن كثب ما يحدث بين تركيا وأوروبا. وحين أستخدم هذه الحجة يُردّ عليّ في معظم الأحيان وبطريقة معادية، وبشكل خاص في فرنسا، بالقول: “تركيا ليست بلدا غير عربي فقط، لكنها تحتقر بعمق العرب الذين يبادلونها الاحتقار. المغامرة التركية لا تهمّ باقي العالم الإسلامي”. أنا لا أعتقد في هذا التفسير، لأن هذا المبرر المصنوع في أوروبا خال من المعنى، فتركيا على الرغم من علمانيتها تظل بلدا إسلاميا وعضواً في منظمة المؤتمر الإسلامي. وإنها بهاتين الخصلتين تبقى ضرورية لأوروبا”. ويكتشف روكار في التصوف التركي (الزوايا الصوفية) عاملا إضافيا في الانفتاح على الغرب، باعتبارها مراكز للنقاش والحرية. ويسرد قصة تعرفه، سنة ،1980 إلى الرئيس التركي السابق تورغوت أوزال، “ هو رئيس أقدّره كثيرا. وقد علمتُ أثناء تأليف هذا الكتاب أنه كان، من دون شك، عضوا في إحدى هذه الزوايا، الأكثر تأثيرا، وهي الزاوية النقشبندية. وأتساءل حول ما إذا كان التزامه الدائم بهذه الزاوية هو الذي ساهَم في الانفتاح والرؤية التي عبر عنهما إزاء قبرص والقضية الكردية”، ويخلص روكار في هذه المسألة إلى أن “تنوع وثراء الإسلام التركي يمكن أن يساعدنا على فهم أفضل لأحد عشر مليونا من المسلمين يعيشون في الاتحاد الأوروبي وتخترقهم أيضا العديد من التيارات والحساسيات البعيدة جدا عن كليشيهاتنا وتهويماتنا”. ويواصل دفاعه عن العضوية التركية، لا يزال الغربيون، وخصوصا الصحافة الغربية التي ترفض قبول تركيا، تتعامل كما لو أن أوروبا ستكون عرضة لقبائل تركية (قادمة للتوّ من القرون الوسطى). ولكن الاتحاد الأوروبي، كما يلاحظ روكار: “يضم أربعة ملايين من المهاجرين الأتراك: 6،2 مليون في ألمانيا و370 ألفاً في فرنسا”. الهوية الأوروبية الجديدة يستحضر ميشيل روكار مظاهر القلق الأوروبي السائد، وهو موقف يتقاسمه المسؤولون السياسيون الأوروبيون وأيضا الرأي العام الأوربي، من أي “أوروبا قوية جديدة” ويبدون مرتاحين من النفوذ الأمريكي على الرغم من الغزو الأمريكي المكلّف والكارثي في العراق. ويقول ان أوروبا السياسية الجديدة مهدَّدةٌ من الداخل كما من الخارج، بسبب الهيمنة الأمريكية.لكنه يطرح سؤالاً مهماً: ““ما هي أوروبا، اليوم؟” ويجيب: “إنها موضوع دستوري غير محدَّد، لا توجد شخصية روحية، الحدود تتغير كل مرة (ستة مرات خلال وجودها). ليست للاتحاد مهمة ضمان أمن أراضي ولا سكان ولا حدود (هذا الضمان لا يزال قطريّا) ما تجمعه. لا تمتلك سياسة خارجية موحَّدة حقيقية ولا قوات عسكرية مشتركة. لا يمكن أن تُحدَّد أكثر من كونها نادياً للأمم يتوخى إدماج اقتصاداتها ولكن ليس هوياتها القومية. إننا، كما يرى روكار متوجهون، بشكل مستقيم نحو “مجابهة عالمية لأشكال التنظيم الاقتصادي والاجتماعي والمالي. للولايات المتحدة الأمريكية كل الحظوظ في البقاء متعلقة بالحرية الكاملة للفاعلين، حتى لو اقتضى الأمر التشديد والتصلب الاقتصادي وعدم الاستقرار. أوروبا، على النقيض، متعلقةٌ كثيرا بالاستقرار وبالانسجام الاجتماعي وللاشتغال الجيد للحماية الاجتماعية”. المجابهة قادمة، “وفي منظور هذه المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، من دون التحدث عن الصين، فمن الأساسي أن تزيد أوروبا من عدد سكانها، إن انتماء 71 مليون من المواطنين المستهلكين زيادة على ما نتوفر عليه من 550 مليون نسمة من المواطنين الأوروبيين مسألةٌ حاسمةٌ”، ويرى ان تركيا بحاجة ماسة إلى الغرب الأوروبي، “يجب على السوق التركية الواسعة، بالإضافة على قدرتها على التدرب في الاقتصادات الإسلامية، أن تلعب في اتجاه أوروبا”، إذاً فانضمام تركيا حاجة ضرورية. وهنا فالخطر الإسلامي ينتفي نهائيا فأوروبا تضم بين أحضانها تركيا، “الأهم في كل هذا ليس هو إطالة بقاء التمثيل الأوروبي باعتباره أوروبيا وعلى أراضيه الأصلية بقدر ما هو ضبط نموذج تنظيم اجتماعي مستقرّ، متوائم من الناحية الإيكولوجية وقابل للنقل من جيل إلى آخر”، ويرى ان العلاقات بين الطرفين سيئة وتزداد سوءاً “إذْ إن أوروبا تمتلك، دائما، الكلمة الأخيرة”، ولذا فإنه “يتوجب أن نقول نعم لتركيا”، ويضيف أنه يتوجب قولها بسرعة، ولكن متى؟ ويضيف “يبدو لي أنه من المهم أن يكون الانضمام التركي قبل بداية العشرينات من هذا القرن. وأنا هنا ألتحق برأي بعض الخبراء الأتراك، “لأن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يتحمل كلفة الانضمام التركي قبل سنوات العشرينات”. يريد روكار من أوروبا أن تمنح تركيا الوقت الكافي للاستعداد، لكن من خلال الإقرار بانضمام تركيا لأوروبا في نهاية المطاف “لنثبّت تاريخ 2023 تاريخا لانضمام تركيا. خصوصا أن التاريخ بالنسبة للأتراك يمتلك قيمة رمزية، إنها المئوية الأولى لنشوء جمهوريتهم. لنمنح الأتراك فورا تاريخا يحدد إرساء ثقة بين حكوماتنا وشعوبنا”، يعترف السياسي الفرنسي المخضرم بأننا أمام مأزق “المسيحيون والمسلمون يعيشون حاليا مرحلة خطرة من عدم الفهم. مليار من المسلمين يحسون بأنهم متهمون بالتواطؤ مع الإرهاب من قبل مليار ونصف من المسيحيين. كما أن التعامل الأمريكي مع المشكلة يثير، أكثر فأكثر، اضطراب الأمم الإسلامية ويدفعها في عداء مأساوي وخطر للغرب”، ويرى ان أوروبا معنيةٌ في المقام الأول بهذه الوضعية وهذا التطور، إنها تضم في دُولِها ما بين 15 و20 مليون من المسلمين. الشرق الأوسط هو جارها القريب، وأكثر قربا منه المغرب العربي. لكن أوروبا “ممنوعة” من سياسة خارجية موحدة إلا أنه توجد أمّة إسلامية مهمة، كثيفة السكان ومسلحة جدا وتطلب الدخول في الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى تمتعها بتقاليد لائكية (علمانية). “إذا رفضت أوروبا تركيا، فسيَنْتُج عن الأمر أنها تتحدد باعتبارها نادياً مسيحياً”. لن تجد تركيا محاميا أكثر إقناعا وإيمانا بموضوعها من ميشيل روكار. “أوروبا بقبولها لتركيا تعطي الدليل على أن الحوار بين الشرق والغرب ليس فقط ممكنا، ولكنه أيضا يمكن أن يكون بنّاءً وخالقا للسلام ومجدِّدا وخصب الخيال”. تحتاج تركيا، في أوروبا، وفي فرنسا، على الخصوص، إلى أكثر من محام، إلى أكثر من ميشيل روكار، للدفاع عن رأيها، خصوصا وأن اليمين الحاكم في فرنسا، وعلى رأسه رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي يصرح نهاراً جهاراً برفضه للانضمام التركي. التحديات كثيرة، خارجية وداخلية، وفي كل يوم تخرج كمائن جديدة لتعيق الاجتهاد التركي. وأخيرا، وليس آخرا، (قبل أيام) جاء نديم غورسيل الروائي التركي المقيم في باريس ليفجر قنبلة في تركيا بروايته الاستفزازية “بنات الله”... بحثٌ عن الشهرة والترجمة أم هو استفزاز، أم هو اختبار لرحابة صدر الديمقراطية التركية في طبعتها الإسلامية؟
|