حسب أحدث توقعات المفوضية الأوروبية، حكومة المملكة المتحدة ستنفق في 2010 ما نسبته 52.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتتلقى ما نسبته 38.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وسيكون لديها، نتيجة لذلك، عجز حكومي عام ضخم بنسبة 13.8 في المائة. والأسوأ من ذلك أن عجز المملكة المتحدة المعدل وفقاً للدورة الاقتصادية سيبلغ 12.2 من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع المرء مثل هذا الأرقام في زمن الحرب.
لا يتوقع أن تتجاوز الإنفاق العام للمملكة المتحدة، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، سوى خمس من الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي عام 2010. سيكون العجز في السويد (57.3 في المائة)، والدنمارك (57 في المائة)، وفرنسا (56.4 في المائة)، وفنلندا وبلجيكا (54.3 في المائة). غير أن ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي سيكون لديها معدل عوائد أدنى من المملكة المتحدة، وهي رومانيا (33.3 في المائة) ، وإيرلندا (33.5 في المائة)، وسلوفاكيا (34.1 في المائة)، ولتوانيا (34.8 في المائة)، ولاتفيا (36.2 في المائة)، وإسبانيا (37.3 في المائة). والدولة العضو التي سيكون لديها عجز أعلى من المملكة المتحدة، هي إيرلندا، بعجز نسبته 15.6 في المائة.
توقع التدهور في الميزان المالي لحكومة المملكة المتحدة البالغ 11.5 في المائة بين عامي 2007 و2010 يجعله رابع أكبر عجز في دول الاتحاد الأوروبي، بعد إيرلندا (15.8 في المائة)، ولاتفيا (13.2 في المائة)، وإسبانيا (12.0 في المائة).
فكيف حدث هذا الانهيار المالي؟ تكمن الإجابة في الإنفاق الذي يتوقع أن يقفز بنسبة عالية تبلغ 8.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة 2007 - 2010، أي أكثر من توقع زيادة العوائد التي ينتظر أن تتقلص بنسبة 2.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ما يجعل ارتفاع الإنفاق الحكومي في المملكة المتحدة، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، أمراً محيراً، هو أن التراجع في الناتج المحلي الإجمالي نفسه ليس استثنائياً. وتتوقع المفوضية الأوروبية تراجع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة بنسبة 3.8 في المائة هذا العام، أي أقل بقليل من معدل التراجع في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. يتوقع أن يتراجع هذان الاقتصادان بنسبة 4 في المائة. وفي 2010 يتوقع أن ينمو اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 0.1 في المائة، أي أفضل من اقتصادي الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو اللذين سيتراجعان بنسبة 0.1 في المائة.
لا بد أن يكون الاستخلاص المؤلم هو أن المملكة المتحدة فقدت السيطرة على الإنفاق العام، وأن عليها استرجاعها ثانية. وسواء أحبوا ذلك، أم لا، فإن الناخبين في المملكة المتحدة سيضطرون إلى انتخاب حكومة ترغب في تحقيق هذا الهدف. فالملاءة المالية للحكومة في خطر. ونتيجة لذلك، الحكومة المقبلة ستجد نفسها في حرب استنزاف مع موظفيها. وإذا قاد ديفيد كاميرون المحافظين إلى الفوز، كما يتوقع كثيرون، سيتعين عليه أن يكون أشد من مارجريت تاتشر، التي انتخبت رئيسة للوزراء قبل ثلاثة عقود.
من المحتمل بالطبع أن يتولى تعاف قوي هذا الأمر. واستخلصت وزارة المالية في عرضها للميزانية أن المملكة المتحدة عانت من فقدان مستمر لما نسبته 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة للأزمة، بينما كان معدل اتجاه النمو 2.75 في المائة. وتفترض وزراة المالية كذلك أن فجوة الإنتاج، وهي مقياس الطاقة الإنتاجية الفائضة، ستبلغ ذروتها لتصل إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ثم تختفي.
سيكون من عدم المسؤولية تماماً التخطيط للتمويل العام على افتراض أن الاقتصاد سيعود في القريب إلى مستوى النمو الذي كان مفترضاً قبل الأزمة. والواقع أنني أشارك في وجهة النظر التي قدمها روبرت شوت، مدير معهد الدراسات المالية، في دراسة حديثة أورد فيها أن المملكة المتحدة كانت لديها طفرة غير مستدامة، لأن جانباً من الاقتصاد كان وهماً.
من الممكن افتراض ذلك، لأنه بينما ينفق البريطانيون الآن مثل الفرنسيين، فإن عليهم دفع ضرائب مثل الفرنسيين. غير أن ذلك يعني زيادة ضخمة في الضرائب، بحيث يمكن أن تبلغ 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبينما تعتبر بعض الزيادة في الضرائب أمراً لا مفر منه، لا يمكن إعادة النسبة إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، والبريطانيون لن يقبلوا زيادة كبرى في العبء الضريبي.
وليس من المنطقي افتراض إمكانية التعايش مع العجوزات الضخمة فترات طويلة دون المخاطرة بقفزات كبرى في أسعار الفائدة. وتتوقع وزارة المالية زيادة في الديون الصافية للقطاع العام من 36.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007 - 2008 إلى 76.2 في المائة عام 2013 – 2014 . ومن المحتمل أن ترتفع النسبة إلى أعلى من ذلك. وبالتالي، فإن حكومة حصيفة لن تأمل فقط في وقف هذه الزيادة، بل كذلك في عكس اتجاهها، وذلك لتجديد المرونة المالية التي تستخدمها.
لا بد من تخفيض الإنفاق الحكومي إلى الحجم الملائم. ووفقاً لأرقام معهد الدراسات المالية، وضعت الحكومة خططا متشددة للإنفاق بما يتفوق على ما مارسته الحكومة في فترة امتدت لسبع سنوات منذ نيسان (أبريل) 1985 حتى آذار (مارس) 1992، بحيث يكون معدل الزيادة الفعلية السنوية 0.1 في المائة من 2011- 2012 إلى 2013- 2014، على أن يلي ذلك معدل زيادة سنوية فعلية يمكن أن تصل إلى 0.5 في المائة في الإنفاق الجاري لأربع سنوات أخرى. وهذا على الأقل ما يجب تحقيقه في ظل البداية الرهيبة. والواقع أن الإنفاق الحكومي يمكن أن يتعين عليه أن يكون راكداً، من حيث الأسعار الحقيقية، لما يصل إلى فترة برلمانين متتاليين.
إن ذلك هو ما يصيب بلداً أنفق براحته، وبكل حرية، لكنه يجد نفسه الآن أفقر بكثير مما كان يرجوه. ومن الواضح ما يعنيه ذلك: تجميد مستدام للأجور، ومساومة أجور غير مركزية، ومساهمات من جانب الموظفين في صناديق التقاعد العامة، وتقليص للمزايا. ومن الواضح كذلك أنه يعني نزاعاً شاملاً ومؤلماً بين الحكومات والموظفين العامين.
حتى الآن، مستويات الاقتراض الحكومي المتصاعدة بشدة أخفت الدرجة الحقيقية لهذه الأزمة، لكن لا بد من إنهاء هذه العجوزات. وينبغي أن يأتي معظم الإجراءات من السيطرة على الإنفاق العام. ومن المحتمل أن يكره الناس رئيس الوزراء التالي بقدر ما كرهوا مارجريت تاتشر. لكن كما كانت تحب أن تقول، ليس هنالك من بديل. ولا يمكن لغير المستدام أن يستمر. وإذا لم يتخذ صانعو السياسة في المملكة المتحدة القرارات المطلوبة طوعاً، فإن الأسواق ستفرضها عليهم.
|