النوم ، آية من آيات الله تعالى ، مصداقا لقوله :{ ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ،إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون } الروم 23
ولقد قدر الله تعالى أن يكون النوم في الليل ، وأن تكون الحركة والنشاط والعمل والانتاج في النهار، فقال :{وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا } النبأ 10
وحين تعاكس هذه القاعدة الربانية ، وتخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فيصبح النوم في النهار والسهر في الليل ، كما هو قائم اليوم في معظم بلدان العالم ، حيث لايأوي الناس الى فرشهم إلا في ساعة متأخرة من الليل ، يترتب على ذلك مفاسد ومضار لاحصر لها ولا عد على كل صعيد ..
فعلى الصعيد الايماني تتناقض هذه الظاهرة مع منهج المسلم في يومه وليلته . فهي تحول بينه وبين قيام الليل ، فهو يذهب الى مضجعه في الوقت الذي يجب أن يتركه ويغادره ، مصداقا لقوله تعالى :{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، يدعون ربهم خوفا وطمعا ، ومما رزقناهم ينفقون } وقال :{ وكانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون ، وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم } وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ ينزل ربنا تبارك وتعالى الى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير، فيقول : هل من مستغفر فأغفر له ، من يسألني فأعطيه ، من يستعيذ بي فاعيذه } هذا فضلا عن انتهاك حرمة صلاة الفجر ، وقرآن الفجرلقوله عليه السلام : { إن قرآن الفجر كان مسؤولا } إضافة الى إهدار قيمة الإبكار التي يلفت اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:{ بورك لأمتي في بكورها }
وعلى الصعيد العصبي يتسبب السهر بتوتر الأعصاب ، وعدم القدرة على النوم ، مما يدفع الى تناول العقاقير المنومة التي تحمل السم الزؤام للانسان ، وتدخل به دوامات لا حدود لمضارها من القلق والأرق والاكتئاب وحدة المزاج وسوء الطباع ، مما ينعكس سلبا على كامل عافيته وصحته بل حياته ؟ وفي تقرير للمؤسسةالوطنية لأمراض النوم ، نشرته جريدة الشرق الوسط في العدد 6247 جاء فيه ما يلي :[ إن طبيعة الحياة المعقدة ، أفقدت الكثيرين قدرتهم على التمتع بالنوم بسبب السهر وتوتر الاعصاب ] ويقول الدكتور صبري القباني :[ ولا يخالف أحد أن باستطاعته تعويض ما فاته من نوم ساعات الليل من خلال النهار .. والفرق شاسع وكبير بين هيمنة الظلام الهاديء الساكن ، وبين انتشار النورالخاطف للأبصاروالمثير للآعصاب . ] مجلة طبيبك معك
وعلى الصعيد الانتاجي ، فان مخالفة فطرة النوم تؤدي الى تراجع العطاء في كل جانب ، تعليميا كان ، أو اداريا ، أو تجاريا ، أو صناعيا ، أوعسكريا , أو غير ذلك ؟ يقول جورج الفرد تينيس ، وهو من أصحاب نظرية [ النوم الطبيعي التي وضعها تيودور ستوكمان والقائلة : بأن النوم الذي يسبق منتصف الليل ، تكون له ضعف القدرة على إعادة العافية ، إذا قيس بالنوم الذي يعقب إنتصاف الليل ] يقول تينس : [ الصباح هو أفضل الأوقات وانسبها للعمل ، لآننا نكون عندئذ قد استعدنا حيويتنا وأصبحنا أكثر مرونة ونشاطا ]
وعلى الصعيد الذهني فمما لا شك فيه أن مخالفة فكرة النوم ، تنهك الدماغ ، وتعيق عملية التفكير، وتؤدي الى ضعف أو شلل في التركيز ؟
من أجل ذلك كان لابد من التحذير ، وقرع جرس الانذار المبكر ، وتبيان المخاطر والمفاسد الناجمة عن السهر الطويل ومخالفة فطرة النوم . { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ، او القى السمع ، وهو شهيد ]
ونسأل الله تعالى العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة . فتحي يكن الاثنين 2 رجب 1423هـ الموافق 9 ايلول 2002 |