هنالك حقيقة اساسية ينبغي ان نلحظها باستمرار ، حيال ما يواجهنا في حياتنا من مشكلات وتحديات ومفاجئات .. وادراكنا لهذه الحقيقة يساعدنا - بعون الله - على تجاوز الكثير مما يعرض لنا على كل صعيد ، وعلى تلمس افضل المخارج والخيارات . بل إن كل قضية يمكن أن تعرض لنا ، تصبح سهلة المعالجة في ضوء هذه الحقيقة ، بعون الله تعالى .
الحقيقة هذه : تتلخص في ان المسلم مطالب بأن يعيش الحياة كلها ، على كافة اصعدتها ، وينهض بمسؤولياته كاملة على مختلف جبهاتها ، وهو بلا شك مأجور في كل جانب من تلك الجوانب ، شريطة إخلاصه له وامتثاله لأمره ، واتباعه لشرعه .
فهو مطالب بان يتعلم ، ويعمل ، ويتزوج ، وينجب الاولاد ، ويبني اسرة ، ويدعو الى الله ، ويقوم بدوره في الجهادين : الأكبر والأصغر ، الخ..
المسلم مطالب بأن يكون على اتم الاستعداد للعطاء فيما تتطلبه مصلحة الاسلام، زمانا ومكانا وموضوعا ، وبحسب الحاجة والاولوية وبواقعية وتوازن .. وهو في كل ذلك على ثغر من ثغور الاسلام ، عليه ان يحميه ويحفظه ، وان لا يؤتى من قبله ، واجره محتسب ، وهو عند الله مدخر .
والمسلم غير مطالب بأن يعطل دورة الحياة ، بذريعة انصرافه للقيام بمهمة معينة محددة ، كائنا ما كانت اهمية وقدسية هذه المهمة ؟ ثم من قال انه سيتمكن من تحقيق كل ما يريد ، وعلى النحو الذي يتمنى ويشتهي ؟
لكم تمنى الشهادة كثيرون – قديما وحديثا – ولكنهم لم ينالوها . فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه ، بالرغم من خوضه غمرات القتال - وليس في جسمه موضع الا وفيه رمية بسهم او طعنة برمح او ضربة بسيف - يتمنى الشهادة ولما يحصل عليها ؟
نحن مطالبون بان نعد انفسنا للجهاد ، ولأن نتمنى الموت في سبيل ، وهو شعار من شعاراتنا : الجهاد سبيلنا ، والموت في سبيل الله اسمى امانينا . ولكن ليس لنا ان نهرب من القيام بمسؤولياتنا الأخرى ، ونتخلى عن دورنا على كامل مساحة وساحة العمل الاسلامي .
ثم ان ذروة سنام الجهاد والاستشهاد ،ان يتحقق ويمضي ويمارس رغم وجود الزوجة والأولاد ، فهي بدون شك من المعوقات ، والتغلب عليها من اعظم القربات الى الله تعالى ، وصدق الله تعالى حيث يقول ( قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ، وأموال اقترفتموها ، وتجارة تخشون كسادها ، ومساكن ترضونها ، احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لايهدي القوم الفاسقين )
هكذا فهم الأولون من سلفنا الصالح دورهم في الحياة ، فقاموا به خير قيام ، وادوه احسن أداء ، والذين اكرمهم الله بالشهادة كانوا ازواجا ، وآباء ، وتجارا ، وعلماء، وفقهاء، وشعراء، وحرفيين ، وما منعهم ذلك ان يجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وانفسهم ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) الثلاثاء 10رجب 1423هـ / الموافق17 أيلول 2002 م |