الولاء للخالق قبل المخلوق .. والانتماء للاسلام قبل التنظيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وخدم الدين ، وجاهد في سبيل الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين ، وبـعـد :
لكم عجبت لسائل يسأل عن اولوية أن نعمل للاسلام أم للتنظيم ، ذلك أنه لا وجه للمقارنة بين اهمية العمل لمصلحة التنظيم واهمية العمل للاسلام ؟
إن انتماءنا للاسلام في الأصل هو الذي يجعلنا مسلمين ويحشرنا في زمرتهم يوم الدين ، والانتماء للتنظيم ليس بديلا عن ذلك ، وانما هو وسيلة لحسن تحقيق ذلك ، وصدق الله تعالى حيث يقول :{ هو سماكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس } الحج 78 .
إن الانبياء والمرسلين والعلماء والدعاة ، كما المؤسسات والتنظيمات والجماعات والحركات الاسلامية ، انما هم مكلفون بخدمة الاسلام وحمل رسالته وتبليغ دعوته والجهاد في سبيله { يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ،وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس،إن الله لايهدي القوم الفاسقين } المائدة 67.
ثم إن الحكم الاسلامي والحكومات الاسلامية والخلفاء ليسوا الا أداة لخدمة الاسلام وتنظيم الاحتكام الى شرعه ، وليس لهم أن يحيدوا عن الاسلام قيد انملة.{ ما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امراً أن يكون لهم الخيرة من امرهم } الاحزاب 26.
إن دين الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أما التنظيم واهله والعاملون فيه فليسوا بمعصومين عن الخطأ والزلل ، وجميعهم يؤخذ منه ويرد عليه ، وهولاء كلهم يُعرفون بالدين ولا يُعرف الدين بهم .
إن مجرد استهداف التنظيم بالعمل ، هو لون من الوان الشرك ، والله تعالى أغنى الاغنياء عن الشرك وهو سبحانه القائل :{ قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي أنما الهكم اله واحد ، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه أحدا } الكهف 110.
يوم أسس الامام الشهيد حسن البنا [ جماعة الاخوان المسلمين] واختار لها شعاراتها ، لم يجعل للتنظيم أدنى نصيب بينها [ الله غايتنا – الرسول قدوتنا – القرآن دستورنا – الجهاد سبيلنا – الموت في سبيل الله اسمى امانينا ]
أذكر أنني - في الستينات - القيت خطابا بمناسبة افتتاح شعبة للعمل في مدينة صيداء بلبنان ، وكان في الحضور حشد من العلماء . قلت في مطلع الكلام : [ هنالك قضية يجب أن ندركها تمام الادراك ، ونعيها تمام الوعي ، ونذكرها دائما ولا ننساها ، وبخاصة لدى افتتاحنا اليوم لمركز من مراكز العمل الاسلامي ، وهي أننا مسلمون قبل أن نكون [ إخوان مسلمين ] وأننا جماعة من المسلمين ولسنا [ جماعة المسلمين ].. فالاسلام قبلنا وبعدنا ، وبنا وبدوننا ، وإن نتولى يستبدل الله قوما غيرنا ، ولن نضره شيئا ، وسيجزي الله الشاكرين ، اوليس هو القائل في محكم كتابه :{ ومن جاهد فانما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين ] العنكبوت 6.
في ضوء كل ذلك يكون المطلوب دائما وابدا : تجريد العمل للاسلام من كل لوثة وصولية ، او غرض فردي او جماعي او تنظيمي ، انسجاما مع خلوص العبودية لله تعالى الذي أكدته وأكدت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى :{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك امرت }
وبحسب هذه المعادلة ، يكون الولاء : لله تعالى وحده ، كما يكون شرط السمع والطاعة للقيادة ، طاعتها له والتزامها شرعه ، فالطاعة بالمعروف ولا طاعة بالمعصية ، وفي الحديث { لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ] وفي خطبة الولاية لأبي بكر الصديق رضي الله عنه { اطيعوني ما اطعت الله فيكم ، فان عصيت فلا طاعة لي عليكم } وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول :{ إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظه أم ضيعه }.
ووفق هذه القاعدة يصبح شرط الانتماء الى التنظيم تحقيق الانتماء للاسلام ، والتزام مبادئه وقيمه ، وحمل رسالته ، وتبليغ دعوته ، والاحتكام اليه والجهاد في سبيله .
إن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة هو الاسلام ، ماذا عمل به ، وماذا اخذ منه ، او قصر فيه ؟ مع الاشارة والتأكيد على أن هذا المفهوم ليس مدعاة للتقليل من أهمية التنظيم ، وانما سيق للتميز والتفريق بين الوسيلة والهدف ، كما بين الخادم والمخدوم سواء بسواء ، سائلا الله تعالى الهدى والسداد واتباع طريق الحق والرشاد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
فتحي يكن
السبت 23جمادى الثانية 1423هـ
الموافق 31 آب[ اغسطس]2002م |