بقلم الداعية فتحي يكن
من المشكلات الخطيرة التي تجتاح الحركة الاسلامية اليوم مشكلة ما يسمى " بصراع الأجيال " .. هذه المشكلة آخذة في التفاقم والأزياد طالما أنها بقيت بدون حل حاسم جذري يلحظ أسبابها ومسبباتها ..
وسأحاول في هذه الدراسة تسليط الضوء على المشكلة وصولا الى تقديم حلول جذرية من شأنها ـ ان حُملت بصدق وطـُبقت بصدق ـ أن تساعد بعون الله على الخروج من دوامة التآكل التي تتسببها ..
أسباب المشكلة وخلفياتها :
ان معظم المشكلات الحركية الداخلية ومنها مشكلة صراع الآجيال، يعود سببها الى جانبين أساسيين : جانب تربوي وآخر فكري تصوري ..
[1] ما يتعلق بالجانب الفكري: فاننا نلمس اهمالا كبيرا في تناول المشكلة وتشريحها، كما في تبيان خلفيات نشوئها ومدى خطورتها على الصف ، اضافة الى تناقضها وتصادمها مع مسلمات التلاحم البنيوي في المجتمع الاسلامي. انها تتناقض مع رمزية وحدة الأمة ، وقدسية الاخوة الاسلامية ، كما تتناقض مع المصلحة الاسلامية جملة وتفصيلا ..
- ان صراع الأجيال يتناقض مع وجوب تعاون الجميع على الخير الذي أشارت اليه الآية الكريمة ): وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان ؟ )
- وهو يتناقض كذلك مع قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاونهم كمثل الجسد أذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر ؟)
- وصراع الأجيال يتناقض والمصلحة الاسلامية التي تقتضي المحافظة على كامل القوى والامكانات وعدم التفريط فيها ؟
- ثم هو يتناقض مع الحاجة الى تنوع القوى والامكانات في المسيرة الاسلامية والتي لايضمنها الا تنوع الاجيال والاختصاصات وتناغمها فيما بينها .
- وهو يتناقض كذلك مع فاعيلية وجهوزية الاسلاميين في مواجهتهم للقوى المضادة التي تمكر وتتحرك وتتآمر بتكامل بجميع أجيالها وتنوع اختصاصاتها ؟
- ثم هو يتناقض مع أبجديات النظام الهرمي ومؤسساته التخصصية التي تلحظ تعدد الاجيال والتخصصات لدى توزيع الادوار والمهمات ؟
مثال من الواقع المعاصر :
ماذا يمكن أن يحدث لواقتصر الواقع الحركي على جيل من الأجيال ؟ فان اقتصر على الشيوخ تعطلت القدرة التنفيذية والاجرائية ، وان اقتصر على الشباب تعطلت القدرة التشريعية والفكرية ؟
ان قوة الواقع الحركي وأصالته في أخذ كل جيل موقعه الطبيعي في تنافس من غير تزاحم، فالساحة تتسع للجميع ، والمهمات أكبر من الجميع ، وكل ميسر لما خلق له .
لقد ظهرت هذه المشكلة في بلد، حيث احتل الشباب مواقع الشورى ، وبقيت مواقع التنفيذ شاغرة ليس بمقدور الشيوخ ملأها ! فأتت على القواعد ولم توفر أحدا !
مثال من الأمس الغابر :
وفي مقابل الصورة السابقة أمامنا صورة مختلفة عنها اختلافا كليا وجذريا .. انها صورة المجتمع الاسلامي الأول ، صورة ابي بكر الصديق وجيله ، صورة علي بن ابي طالب وجيله ، حيث لا يتقدم فيه الشباب على الذين سبقوهم بايمان واحسان ، والذي يحرص فيه الشيوخ على الشباب من غير أثرة في الرأي أو احتكار للعمل ، والذي يكون كل جيل فيه على ثغرة من ثغور العمل ..
وهكذا تمضي المسيرة .. الشيوخ يرحلون .. يأخذ الشباب مكانهم ، ويحل جيل مكان جيل .. خلف يحل محل سلف ، في تحاب وتواد وتراحم ، يحدوهم دعاء رباني آسر لا ينقطع ولا يغيب :{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا انك رؤوف رحيم }
تلكم هي الصورة الحضارية الراقية للعلاقة الربانية الحقيقية التي يجب أن تكون بين أجيال الحركة الاسلامية وأطراف الساحة الاسلامية ، وليس صورة النزاع والشقاق ، ومعارك الاقصاء والالغاء التي حلت بنا اليوم فأهلكت الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد !
[2] أما ما يتعلق بالمشكلة من الجانب التربوي : فهوعلى جانب كبير كذلك من الأهمية ، حيث تستوجب الوقاية والمناعة منها قبل وقوعه،ا ان درهم وقاية خير من قنطار علاج .
ان تربية الصف والقواعد على منهجية التكامل بين الاجيال من شأنه أن يحفظ الحركة ويجنبها الاصابة بهذا الداء الخبيث .. والقيادة يجب أن يجب أن تكون حريصة على توزيع المسؤوليات على افراد الصف جميعا ، بحيث لا يبقى أحد عاطلا عن العمل، لأن الفراغ هو الحلقة الأضعف أمام الخرق الشيطاني ..
ان حسن التعامل مع الخطاب النبوي اللافت:[ ليس منا من لم يوقر كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ] من شأنه أن يرسي دعائم المعادلة الصحيحة في جسم التنظيم وحركته ، وبالتالي يحفظه من الانزلاق الى هكذا مشكلات .
وتبقى قضية التعايش بين الاجيال .. التعايش في كل أشكاله .. التعايش في الاسرة والكتيبة .. التعايش في الرحلة والسفر والمخيم .. التعايش في أداء عمل معين ، أوتنفيذ مهمة بذاتها ..
انه لا يجوز بحال أن تنقطع الأجيال عن بعضها ، وتتحول الى ما يشبه الطبقية ، لأنها مدخل كذلك الى صراع الأجيال .
ان دور القيادة في كل ما تقدم دور أساس ولا يمكن أن يحل محلها فيه أحد ، وتعايش القيادة الدائم مع القواعد، وقربها من الأفراد، واهتمامها المباشر بشجون الصف وشجئونه، من شأنه أن يقضي على مشكلة صراع الاجيال الى غير رجعة بعون الله تعالى. |