أهداف الحرب الأميركية على العراق شبيهة بأهداف سايكس بيكو إن لم تكن أخطر ؟
بقلم الداعية فتحي يكن
إن الحرب الدائرة اليوم بشراسة ضد العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها ، تتصل بأهداف ذات أبعاد استراتيجية ، لا تمت بأي صلة لما يعلنه رئيس الادارة الاميركية ومؤسسات الولايات المتحدة الاميركية المختلفة : كنزع اسلحة الدمار الشامل ، وتحرير شعب العراق من قهر لنظام العراقي وظلمه وطغيانه ، ومحاربة الإرهاب ، وإشاعة أجواء الحرية والديمقراطية ، وما شاكل ذلك من أكاذيب لم تعد خافية على أحد !!
إن الأهداف الاستراتيجية للحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان بالأمس القريب، والتي تخوضها اليوم ضد العراق كانت قد أفصحت عنها واشنطن ـ بشكل أو بآخرـ ومن خلال مواقع قيادية مختلفة ، بمافي ذلك بوش نفسه الذي وصف الحرب بأنها حرب صليبية وإن حاول ـ بعد ذلك ـ الالتفاف على ما انزلق به لسانه ، مصداقا لقول الله تعالى : { قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} !!
فمن الأهداف القريبة والبعيدة للحرب الاميركية الاجرامية :
• إضعاف العراق كبلدعربي مسلم يمتلك شعبه مخزونا وقدرات علمية ـ وبخاصة في مجال التسلح ـ من شأنها أن تشكل خطرا على المشروع الاميركي الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط ، وعامل استنهاض للأمة العربية والاسلامية كلها ، وهذا يكشف خلفية العدوان الذي قامت به اسرائيل مستهدفة تدمير مفاعلاته العراق النووية
• وضع اليد على حقول النفط وباقي الثروات الاخرى في المنطقة .
• ترسيم خارطة جديدة لما يسمى " منطقة الشرق الأوسط " بما يحقق المصالح الأميركية اولا ثم مصالح حلفائها .
• جعل بغداد عاصمة المشروع الأميركي الشرق أوسطي ، من خلال تنصيب قيادة عراقية مرتهنة لواشنطن ارتهانا كاملا هو أشبه ما يكون بارتهان القيادة التي تم تنصيبها في أفغانستان بعد سقوط حكم طالبان .
• إنشاء كونتونات طائفية ومذهبية : > شيعية > سنية > درزية > علوية > مارونية تكون بمثابة فتائل تفجير دائمة ،تتجاوز في خطورتها الأثار التي خلفها مؤتمر [ سايكس بيكو ] التآمري في مطلع القرن الماضي وبعد سقوط الخلافة ؟
• شن حرب على الاسلام من خلال سيناروهات ذات أسلحة متعددة ، من ذلك : > العبث بمناهج التعليم الديني > توجيه الخطاب الاسلامي ليوم الجمعة > تقديم مفهوم جديد عن لاسلام ، وبحسب تعبيرهم " الاسلام المعـد ل " ؟
• شن حرب إبادة على الساحة الاسلامية وشرائحها المختلفة بذريعة محاربة الارهاب ، ودونما تمييز بين " منهجية متطرفة " وأخرى " معتدلة " وغيرها ؟
• فرض وتكريس العولمة " الأمرو ـ صهيونية " على المنطقة العربية والعالم الاسلامي ، ومجمل دول العالم الثالث .
• دعم المشروع الصهيوني ، من خلال ترحيل الفلسطينيين الى الأردن ، ومساندة إقامة دولة اسرائيل الكبرى ، من الفرات الى النيل
هذه أبرز عناوين الحرب الاميركية على العراق ، بعد الحرب على أفغانستان ، والتي يمكن أن تتبعها حروب أخرى على عدد من الدول العربية وغيرها ، التي لاتزال خارج بيت الطاعة الاميركي ، في محاولة لتمرير مشروع العولمة [ الاميركي الصهيوني ]
وفي الحقيقة أن هذه الحروب لا يمكن كشف أبعادها بدقة ووضوح من غير فهم للعولمة ..
* فما هي هذه العولمة ؟؟
هنالك ثلاث قوى رئيسية ذات تأثير وفاعلية عالمية، بالرغم من تفاوت حجمها،وهي:
أولاً: الرأسمالية والمتمثلة بالولايات المتحدة الأميركية، والتي تخطط للعصر الأميركي والعولمة الرأسمالية.
ثانياً: الصهيونية والمتمثلة بقوى الضغط اليهودية والتي تخطط للعصر الإسرائيلي والعولمة الصهيونية.
ثالثاً: الإسلام والمتمثل بالعالم الإسلامي عموماً والساحة الإسلامية خصوصاً، والذي يخطط للعصر الإسلامي.
أولاً: العولمة الأميركية (الرأسمالية)تعني العمل على تعميم النمط الحضاري الأميركي على بلدان العالم وشعوبه ، بقصد الهيمنة على الاقتصاد والسياسة والثقافة والأفكار والسلوك، يقول صادق جلال العظم (المفكر السوري) :
[إنها حقبة التحول الرأسمالي العميق للبشرية جمعاء في ظل هيمنة الدولة المركزية وبقيادتها وتحت سيطرتها، وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير متكافئ].
إن هذه الأمركة تستخدم في عولمتها كل الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، والمؤسسات المالية لصندوق النقد الدولي، ووكالات الأمم المتحدة العاملة في مجال التنمية والثقافة، ومختلف وسائل الإعلام، وأجهزة المخابرات وما سبق وأشرنا إليه تحت عنوان أدوات ووسائل العولمة.
* نماذج من (العولمة الأميركية)
كان المثل الشائع قديماً [ إن الإنسان ابن بيئته] أما اليوم فقد غدا الإنسان ابن البيئة العالمية، تكونه وتصنعه بصمات الأغرار والأغراب من هنا وهناك،حتى ليكاد يفقد خصائصه التراثية والوراثية.
فبصمات العولمة الأميركية باتت واسعة المساحة وعميقة الأثر وعلى كل صعيد :
- صعيد الأزياء التي تتنافس في صناعتها مئات مؤسسات التصميم مثل ( بيير غاردان، وفير ساتشي، وإيف سانت لوران، وكوكوبروكو، وغيرها ) إضافة إلى الصرعة العالمية المسماة (جينز)، كما تقوم بعرضها مئات عارضات الأزياء . . ومعظم المعروضات من الساقط والفاحش.
- صعيد الأطعمة والأشربة التي لم توفر مدينة من العالم، منها على سبيل المثال (بيتزا هات، كانتكي شيكن، ماكدونالد، هامبرغر وغيرها) كما منها (البيبسي كولا والكوكا كولا والسفن آب وغيرها).
- صعيد العطور ومستحضرات التجميل وأدوات تغيير خلق الله من ذلك (كاشاريل وكريستيان ديور ولاكوست وكارتييه).
- صعيد السجائر ( ذات النكهة الأميركية ) كما تقدمها الدعايات، تقديم السم في الدسم.
- صعيد الحلاقة وقصّات وموديلات الشعر التي عصفت بالأجيال في كل أنحاء الأرض مثل (البونكي والهيبيز والمارينز وغيرها).
- صعيد صناعة الأفلام السينمائية الجنسيَّة والجرمية والأسطورية والخرافية وغيرها والتي تتصدرها وتتقدمها هوليوود ذات الشركات المتعددة والمتخصصة.
- صعيد سياسات التبشير والتنصير على مثل ما يجري في الكثير من الدول الإفريقية والآسيوية تحت ضغط الفاقة والعوز.
- صعيد الغناء والطرب والموسيقى والرقص مما أدى إلى نشأة أجيال أصبح (مايكل جاكسون ومادونا وسبيس غيرلز وجورج مايكل) مثلها العليا . .
- صعيد العولمة الرياضية وتفاقم بدعة (المونديال) وضياع شخصية الأجيال في حملة المراهنات على هذا الفريق الرياضي أو ذاك (راجع الملاحق).
- صعيد تحريك الفتن والحروب الأهلية والتطهير العرقي والتحولات الديموغرافية (البوسنة والهرسك، كوسوفا..).
- صعيد انتقال الأزمات الاقتصادية والسياسية والمالية والتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان النامية إضافة إلى اصطناع المشاكل الأمنية وتبنّي سياسة الاغتيالات والانقلابات، (إندونيسيا، ماليزيا، لبنان..).
- صعيد تفتيت البنى السياسية والاجتماعية على قاعدة فرِّق تسُد التي اعتمدها هنري كيسنجر ثم كريستوفر وزراء خارجية الولايات المتحدة. (راجع الملاحق)
ثانياً: العولمة الصهيونية :وتهدف إلى تمكين (اليهود) من الإمساك بمقدرات العالم وبخاصة الثقافية منها والاقتصادية عبر التدخُّل الهائل في حركة البورصة العالمية، وامتلاك أضخم الشركات العالمية (كشركة روكفلر) مثلاً.
إن عدداً من بروتوكولات حكماء صهيون تنص بصراحة صهينة العملة العالمية :
- يقول البروتوكول الخامس عشر: "يجب أن يكون الدولار في المائة سنة القادمة عملة العالم". ولا يخفى على أحد أن الدولار صناعة يهودية ظاهرها أميركي (أنظر الدراسة) ولقد تحقق ذلك، ومن خلاله تحكَّم اليهود بمقدرات العالم . .
- والبروتوكول العشرون يقول: "إن استيلاءنا على ثروات العالم عن طريق الأسهم والسندات سيضطر الحكومات إلى طلب العون المالي منّا".
- أما الصهينة الاجتماعية والثقافية فيشير إليها البروتوكول العاشر حيث يقول: "سنوصل العالم بدهائنا وألاعيبنا إلى أقصى درجات التمزُّق والانحلال، حتى يعطونا حاكماً عالمياً واحداً يستطيع أن يوحدّنا ويمحق كل الحدود والقوميّات والأديان".
* نماذج من العولمة الصهيونية :
إن بصمات العولمة الصهيونية شديدة التخريب عميقة الإفساد في معظم المجتمعات البشرية . .
- فهي من وراء الترويج للأفكار والفلسفات الإلحادية والعلمانية.
- وهي من وراء تأسيس ورعاية نوادي عبادة الشيطان في العالم.
- وهي من وراء الانهيارات الاقتصادية والإفقار المخطط والمنظم للشعوب.
- وهي من وراء مافيا الجنس والرقيق الأبيض وتجارة الأطفال والمخدرات.
- وهي المصنّعة الأولى لأفلام الدعارة ومجلاتها وأدواتها ومراكزها. ومن الأمثلة على ذلك تشجيعها للسلطة الفلسطينية على إقامة كازينو للقمار في أريحا هو (كازينو الواحة)، وتسميتها أريحا (بمدينة الخطايا)، حيث أقيم على أرض وقف إسلامي يعود لعائلة الحسيني. والأغرب من هذا هو امتناع إسرائيل عن إقامة الكازينو عندها لأن التعاليم اليهودية تمنع لعب القمار على أراضيها. وهذا ما دفع إسرئيل إلى إنشاء مصنع للفوسفات في المنطقة المجاورة في حين نصبت السلطة الفلسطينية 250 ماكنة قمار . .
- وهي المحركة الأساسية للفتن الداخلية، والحروب الأهلية، والصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية والأثنية (البوسنة والهرسك، الشيشان، السودان، الأكراد، كشمير، الصومال، أريتريا، أوغندا وغيرها).
وهي المالكة أو المساهمة بقوّة في شركات النقل والشحن والتأمين العالمية (لويدز).
والآن ما هي النتيجة؟
النتيجة أن يتطبع العالم بكل تفاصيل حياته بالحضارة الغربية تبعاً لمنطق ابن خلدون الذي يقول: [المغلوب يُقلد دائماً الغالب] [والضعيف يُقلد القوي].
ـ عولمة الرياضة ( المونديال)
ـ عولمة الرأسمالية كنظام اقتصادي.
ـ وعولمة الديمقراطية كنظام سياسي.
ـ وعولمة العلمانية كمنهج اعتقادي.
ـ وعولمة العنصرية كسياسة اجتماعية.
ـ وعولمة الزواج المدني والزواج المثلي، والشذوذ.
ـ عولمة تجارة وتعاطي المخدرات.
ـ عولمة الانحراف الجنسي ونتائجه المرضية(الإيدز، الدعارة ، الأطفال).
ـ عولمة الانحراف الأخلاقي، الجريمة على أنواعها.
ـ عولمة عبادة الشيطان.
ـ عولمة الأغذية الغربية.
ـ عولمة الفن الغربي / الموسيقى/ الأغاني/ المرح.
ـ عولمة الإعلام الغربي.
ـ عولمة العطور الغربية.
ـ عولمة العملة الغربية.
ـ عولمة الصناعة الغربية.
ـ عولمة تفكك الأسرة .
ـ عولمة جسد المرأة (مؤتمر بكين).
ـ عولمة العقاقير: فياغرا – المهدئات – المقويات.
ـ عولمة السياحة / Visa card.
ـ عولمة الثقافة والمناهج التعليمية.
ـ عولمة العادات والتقاليد.
ـ عولمة المعلوماتية.
ـ عولمة البنوك والتعامل الربوي.
ـ عولمة الفنادق.
الموقف المطلوب من الأمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمام العولمة الزاحفة من كل حدب وصوب، وأمام انقسام الدول والجماهير بين من يعتبر العولمة قدراً لا مفر منه وبين من يبحث عن دور له من ضمن هذه العولمة. ومع الفروقات الهائلة على المستوى التقني والصناعي والاقتصادي بين الدول الكبرى والدول النامية والمتخلفة، ومع القوة العسكرية الطاغية للدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، يصبح كل الكلام عن العولمة الإيجابية هراء بهراء وتتجلى الحقيقة بأنها عولمة قسرية يفرض القوي بها إرادته على الضعيف بأسلوب جديد وبإطار قانوني عالمي يصعب الفكاك منه.
إن التعاطي والتفاعل مع هذه العولمة لا يمكن أن يجدي نفعاً إلا من خلال الوحدة وامتلاك القوة بأي شكل من أشكالها وتنمية هذه القوة وتسخيرها لنهضة هذه الأمة وتمكينها في الأرض.
إن قوة المسلمين كامنة فيهم وبين يديهم، قوة العقيدة، قوة الموقع الاستراتيجي، قوة الاقتصاد، قوة الثروة.. والمطلوب هو قوة الإرادة وقوة المقدرة. وهذه تحتاج لمزيد من الوعي والجهاد والتضحية، والإحساس العميق بالارتباط المباشر والانتماء الأصيل لهذا الدين جملة وتفصيلاً، وحمله كرسالة عالمية تؤدي دورها في إطار عالم المعرفة وثورة الاتصالات المتوفرة والمتاحة.
إن حمل الإسلام كرسالة عالمية هو الدور الحقيقي المطلوب من المسلمين أن يقوموا به، فطالما أن العصر هو عصر العولمة، فإن الإسلام من خلال مبادئه وتطبيقاته ، هو المؤهل بجدارة لقيادة هذا العصر. ولكن يحتاج لقياديين ومخلصين ومعاهدين } مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا{ (الأحزاب ـ 23)
مع تحيات
الاربعاء 26/3/2003 الداعية فتحي يكن