ملخص المحاضرة المقدمة من الداعية الدكتور فتحي يكن
الى مؤتمر الوحدة الاسلامية في مواجهة فتنة التكفير
24 ربيع الأول 1426 هـ الموافق 3/5/2005 م
يؤلمني كما يؤسفني أن أقول ، وفي مستهل كلمتي بين يدي مؤتمركم الكريم هذا ، إن الكلام عن الوحدة الاسلامية غدا موسما ثقافيا فوللكلوريا ليس له أي مفعول أو أثر يجسده حقيقة في واقع حياة المسلمين . وبذلك تفقد الوحدة والكلام عنها قيمتها القدسية وحقيقتها الربانية كآصرة علوية يجسدها ويؤكدها قول الله تعالى :{ لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ، ولكن الله ألف بينهم ، إنه عزيز حكيم } ثم إن الكلام عن الوحدة يتنامى ويتكاثر في حالتين اثنتين : الأولى خلال موسم الوحدة ، والثانية حيال مخاطر الانقسام والفتن الطائفيةوالمذهبية . وتبعا لكل ذلك تغيب عن الذاكرة حقيقة كبرى وهي أن الوحدة الاسلامية والسعي اليها من الفروض الشرعية . * وحدة المسلمين فريضة شرعية إن مما لا شك فيه أن الأصل في الشريعة هو وحدة الأمة ، ووحدة المسلمين على سنة الله ورسوله كائنا ما كانت الخلافات الفقهية والإجتهادات المذهبية ، طالما أنهم يغرفون من معين النبوة .. أوليسوا هموا المعنيون بقوله تعالى :{ وإن هذه امتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } أوليسوا هموا المقصودون من الإمام البوصيري في قصيدة البردة الشريفة حيث قال : وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غـََــرفا من البحر أو رشفا من الديم وواقفون لديه عند حدهـــم من نقطة العلم أو من شكلة الحِكم أن تكون وحدة المسلمين فريضة شرعية ، فهذا يعني وجوب العمل الحثيث على إقامتها بصرف النظر عن الظروف المحيطة والاستثنائية التي تكون هي الدافع في الغالب للمناداة بها والدعوة اليها كردة فعل ليس إلا ، ثم سرعان ما تتلاشى وتغيب مع تغير الظروف !
* الوجوب المصلحي :
ولدى الكلام عن الوجوب المصلحي في وحدة المسلمين ، تطالعنا زحمة من الضرورات والمصالح التي تحققها الوحدة على كل صعيد ..
- وحدة المسلمين ضرورة وطنية لبنانية ، وخطوة محورية لوحدة اللبنانيين .
- وحدة المسلمين ضمانة لوقف ظاهرة التطرف ، سواء كان فقهيا أوفكريا على غرار الأحكام والمواقف والفتاوى المتبادلة بين المسلمين ، كظاهرة التكفير والتبديع ، أو من خلال الممارسات الميدان الدموية التي تقوض وحدة المسلمين وقدسية أخوتهم . والتي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :[ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ويلعن بعضكم بعضا ]
- وحدة المسلمين تشكل مناعة أمنية ذاتية ، من شأنها أن توقف الصراعات والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية التي يحركها ويراهن على جدواها الاستكبار العالمي .
- وحدة المسلمين تشكل أحد أكبر الممانعات الوطنية للتدخلات الخارجية وبالتالي احباط كل المشاريع التآمرية التي تستهدف لبنان مقاومة وشعبا ومؤسسات .
أيها الحفل الكريم يأتي انعقاد هذا المؤتمر في ظل مؤامرة كبرى وهجمة غير مسبوقة على الاسلام كدين، كما على المسلمين كهوية ووجود . مما يرفع حكم الوجوب الشرعي لوحدة المسلمين ، ويختصها بالأولوية التي لا تتقدمها إلا شهادة [ لا إله إلا الله ] والتي هي عنوان الوحدانية واساس الوحدة الاسلامية ولبها وجوهرها .
* فمن استهدافات المؤامرة العالمية على الاسلام التي أعلنها منذ سنوات الأمين العام لحلف شمالي الاطلسي بقوله :[" لم يبق لنا من عدو بعد سقوط الاتحاد السوفياتي إلا الإسلام " :
- العمل على تقديم ما أسماه الرئيس الأميركي الخاسر بوش: [ الاسلام المعدل ] أي الاسلام الذي انتزعت منه كل معاني القوة والعزة والجهاد والعلم والحضارة والحرية والوحدة ، وبعبارة أخرى كل معاني الحياة التي اختزلتها الخطاب الالهي من خلال قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } الآية الكريمة ـ - - - السعى الى إختراق مؤسساتنا التعليمية ومعاهدنا وجامعاتنا الإسلامية ، بقصد تشويه المناهج المعتمدة بذريعة أنها محاضن للارهاب والارهابيين، في وفت يسعى فيه لتقديم صورة شوهاء مبتذلة عن الاسلام مخالفة بالكلية لما أجمعت عليه الأمة قديما وحديثا ، وما إمامة المدعوة [ أمينة ودود ] الرجال والنساء في الصلاة التي نفذتها مع مجموعة من المارقات عن الدين في أحد مساجد واشنطن إلا أنموذجا من الانتهاكات التي تمارسها الإدارة الأميركية من أجل تشويه الاسلام !
* ومن استهدافات الهجمة العالمية على المسلمين :
- حرب الإبادة التي تمارسها الصهيونية العالمية ضد الشعب الفلسطيني منذ ما يقرب من ستين عاما!
- الحرب الشعواء التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على أفغانستان بحجة محاربة الإرهاب وملاحقة تنظيم القاعدة وسوق بن لادن إلى العدالة.
- الحرب المدمرة التي شنتها قوات التحالف على العراق بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل ، والت أكدت التقاريرالدولية والأميركية الرسمية مؤخرا خلو العراق منها تماما !
- وضع اليد على دول العالم الاسلامي وبخاصة الرافضة للهيبمنة الأميركية كسوريا ولبنان وإيران ، والعمل على إضعافها وتجريدها من أسلحتها حتى الدفاعية ، وضرب حركات المقاومة التي حققت معادلة توازن الرعب واقضت مضاجع العداء في الداخل والخارج .
- اللجوء الى السلاح الأكثر فتكا في الأمة من أسلحة الدمار الشامل على ضراوتها ، وأعني به سلاح الفتن الداخلية ، وكتحريك التزعات المذهبية والعرقية والإثنية [ كالحال الذي يشهده العراق بعد سقوط نظام صدام ، والذي يعيشه لبنان اليوم في أعقاب الجريمة النكراء التي أودت بحياة الرئيس الحريري ] رحمه الله وصحبه الأبرار، وعلى قاعدة فرق تسد .
ولقد عبر وارن كريستوفر وزير الخارجية الأميركي في عهد كلنتون عن سياسية بلاده في اتجاه تفتيت العالم الى دويلات فقال :[ نحن نطمح الى أن يكون في العالم خمسة آلاف دولة وليس مئتا دولة فقط!!
- إقامة نظام شرق أوسطي تكون الدولة العبرية فيه صاحبة القرار والأكثر تفوقا عسكريا ، تعاضدها القوات الأميركية من خلال القواعد العسكرية التي بلغ عددها قبل الحرب على أفغانستان 46 قاعدة عسكرية، والتي بلغت أضعاف ذلك بعد الحربين على أفغانستان والعراق، بحسب الوثائق والتقارير الرسمية .
* معوقات الوحدة الاسلامية :
لا أكتمكم أن المعوقات التي تقف حائلا دون قيام الوحدة الاسلامية كثيرة ومعقدة وخطيرة ، منها ما هو داخلي النشاة ومنها ما هو خارجي المنبت ، تآمري الهدف ، شيطاني المشروع. والمطلوب من المسلمين جميعا ، وعلى مختلف انماءاتهم المذهبية والحركية ، وتعدد لقاءاتهم ومؤتمراتهم ، أن يحسنوا تشخيص المشكلة ، وأن يقرأوا ما يجري بدقة وتجرد وصدقية ، وصولا الى رسم خارطة للطريق المؤدية الى وحدة المسلمين في زمن كثر فيه رسم الخرائط التآمرية – ومنها بخاصة الأميركية والصهيونية - على المسلمين وقضاياهم المصيرية .
* المعوقات من منظوري الاسلامي الخاص :
ليس عدلا أن اطالبكم بما أعفي منه نفسي .. وأكره أن يكون كلامي بمثابة دفع الكرة الى ملاعب الآخرين ، من هنا جئت لأقول لكم وبكل صراحة ، ان المعوقات الداخلية للوحدة الاسلامية تكمن في أمرين اثنين : الأول عقائدي وفقهي المنحى ، والثاني سياسي ومصلحي الخلفية .
> فأما ما يتصل بالمحور الأول فكلنا يدرك ويعرف ويعلم – سنة وشيعة - أن للخلاف المذهبي أصولا واسبابا موضوعية [ فقهية وتاريخية ] ـ لايؤدي القفز من فوقها والهروب منها الا الى مزيد من الاحتقان والتشنج ، وصولا الى الانفجار .. والمطلوب : تناول هذه القضايا بالبحث والدراسة المؤصلة ، ومن خلال مرجعيات موثوقة متخصصة من الجانبين يمكن أن تحسم الكثير من تلكم الخلافات وبخاصة ما يعتبر منها بمثابة فتائل تفجيرية قابلة للاشتعال في أية لحظة .
وما اود قولـه في هذه المناسبة ، أنني تقدمت من أحد مؤتمرات التقريب بين المذاهب التي حضرتها في طهران ، ورقة عمل تضمنت رؤوس الموضوعات الخلافية العقدية والفقهية، واود أن أثبتها في هذه المحاضرة ، وأنقلها اليكم كما قدمت الى مؤتمر طهران .
> وأما المحور الثاني والذي لا يقل أهمية وخطورة عن الأول فيتعلق بالمواقف السياسية الميدانية من الصراعات والحروب الدائرة بين الولايات المتحدة الميركية وحلفائها في عدد من الدول الاسلامية كأفغانستان والعراق .
أقول وبصراحة متناهية إن الانقسام الاسلامي المذهبي الذي تشهده الساحة العراقية بالذات في يتعلق بالتعامل مع المشروع الأميركي ، من شأنه أن يولد شرارات لهب تطال الساحة الاسلامية في كل مكان وبخاصة لبنان .
من هنا كانت مسؤولية هذا المؤتمر وأمثاله من المؤتمرات كبيرة واستثنائية وتتطلب جهدا ميدانيا – سنة وشيعة - يتعدى دائرة الكلام والبحث والخطابة . |