نعم غريب وألف غريب أن يتباكى بعض العلماء في بلادنا على ضحايا [ بالي] في اندونيسيا ، وضحايا [ المسرح ] في موسكو، كما تباكوا من قبل على ضحايا [ مركز التجارة العالمي ؟؟ ليس لآننا نحب سفك الدماء ، ولا لأن الاسلام يجيز قتل الابرياء ، ولكن لأن الامور لم توضع في نصابها الشرعي بشكل دقيق ؟
أنا لا أزايد في معرفتي الشرعية على أحد ، إنما المس من خلال هذه الفتاوى التي يسارع هذا العالم أوذاك الى اصدارها ـ وهو ليس بمضطر ـ أنه إنما يبتغي من وراء ذلك إظهار الاسلام بمظهر الحمل الوديع ، أو إعتماد التوجيه" العيسوى" القائل : { من لطمك على خدك الايمن فحول له الأيسر .. ومن سخرك ميلا فامش معه ميلين .. ومن أراد أن يأخذ ثوبك فاخلع له الرداء كذلك } في حين أن اتباع عيسى عليه السلام على غير هذا التوجه ، وفي حين أن شرعنا الاسلامي يعتمد قاعدة الاقتصاص المثلي ، على نحو ما جاء في قوله تعالى : [ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعــــــــتدى عليكم } وقوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } متذرعا بالموجة العاتية التي تتهم الاسلام بالارهاب والاجرام ، وفي اعتقادى أن هذه النية لا تبرر استصدار هكذا فتاوى ، وأن مفاسدها أكبر بكثير من منافعها إن وجدت فيها منافع .
قلت إن الأمور لم توضع في مواضعها حتى تكون الفتوى مطابقة للواقع ..
· فبالنسبة لأحداث [ بالي ] في اندونيسيا : كل المعلومات المتوفرة ، أن ما يتعرض له المسلمون هناك منذ عشرات السنوات من مؤامرات تنصيرية لتغيير الهوية ، ومن تحديات اقتصادية ترمي الى الوصول بهذا البلد الاسلامي الى شفير الافلاس ، ومن اختراقات امنية تقوم بها أجهزة مخابرات عالمية ، إنما تهدف الى تمزيق هذا البلد ، وإحراقه بوقود النزاعات الطائفية كما حصل للكثير من البلدان الأخرى ..إن كل ذلك يؤكد أن السواد الأكبر من الاجانب المقيمين في أندونيسيا أو الذين يؤمونها كسواح في الظاهر ، إنما يشكلون في الحقيقة طابورا خامسا له أهدافه القريبة والبعيدة وأن كل واحد من هؤلاء له نصيبه من العمل والدور ضمن هذا المخطط ؟
من هنا ، لم يعد جائزا ، اعتبار هؤلاء[ مدنيين ] ـ وهي ذريعة الفتوى ـ بمجرد أنهم يلبسون ثيابا مدنية ، وأن اعمالهم لا تبدو عسكرية ، في حين أن ما يقومون به هو أخطر بكثير مما يقوم به العسكريون انفسهم ، ولكونهم يمهدون الطريق ويهيئون الأسباب لكل تدخل عسكري يأتي بعد ذلك ؟ وعندما تسقط هذه الذريعة تفقد الفتوى قوتها وشرعيتها ، والله أعلم ؟
وأذكر في هذا المقام : أنني التقيت في أحد المؤتمرات برئيس حزب [ ماشومي ] الاستاذ محمد ناصر، منذ أكثر من اربعين عاماـ وهو من ألأحزاب المشهود لها بالأصالة والنضج ـ حيث قدم لنا صورة مأساوية عما يعاني منه المسلمون في اندونيسيا ، من مؤامرات التنصير والإفقار والتفتيت ، بهدف إضعاف هذا البلد الاسلامي الأكبر والأغنى في العالم .. والدليل على ذلك حديثا ، الكارثة الاقتصادية التي حلت باندونيسيا ، إضافة الى الفتن والحروب الاهلية الداخلية التي تتعرض لها ، والتي تمعن في إشعالها القوى الخارجية ، وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية .
فهل يجوز بعد ذلك أن يُحكم على المتورطين باحداث بالي ، بأنهم يحاربون الله ورسوله وأن عقوبتهم [ حد الحرابة ] وأنهم معنيون بقوله تعالى :{ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ، ويسعون في الأرض فسادا ، أن يقتلوا أو يصلبوا ، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، أو ينفوا من الأرض ، ذلك لهم خزي في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم } المائدة 23
وبماذا يحكم أعداء الاسلام من الاميركان والصهاينة في القضية ، وقد سبقهم الى الحكم الجائرفيها بعض أبنائه ، بل بعض علمائه ؟؟
* أما ما يتصل بحادث : " مسرح موسكو " فيبدو أن الذين أصدروا الفتوى صرفهم المشهد [ الدرامي المحدود] عن استرجاع مشاهد المآسي والمجازر وحروب الابادة غير المحدودة التي تعرض ولا يزال يتعرض لها الشعب الشيشاني المسلم ،على امتداد عقود من الزمن ، وبخاصة على ايدي الشيوعيين ، وتحديدا في عهد الــجزار [ ستالين ] وخليــفـتــــــه [ بوتين ] وان علماءنا الأفاضل استعجلوا اصدار الفتوى قبل اكتمال صورة الجرم ووضوح حجم الجريمة .. فجاءت فتاواهم ظالمة جائرة ؟
الحزب الشيوعي السوفياتي وحرب الابادة ضد الشيشانيين :
تشيرالتقارير الرسمية الشيوعية أن عدد من قضى نحبه من المسلمين الشيشان بلغ 280631 نسمة حتى العام 1952, أي ما يعادل 61% من السكان, وذلك وفق تقرير وزير الداخلية السوفييتي يومذاك [ دوروف] الذي رفعه الى الجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي. وإذا تم الأخذ بعين الإعتبار الزيادة السكانية الطبيعية التي حرم منها الشيشان تكون نسبة الذين توفوا 80 %.
لقد تمت تصفية هذا العدد الهائل من الشيشانيين من خلال عمليات النفي التي تعرضوا لها ، الى مجاهل سيبيريا ، حيث قضوا بردا وجوعا ومرضا ؟
هذه المشاهد والصور والملفات المأساوية ، لا يجوز إغفالها أو نسيانها ، أوعدم احتسابها ، خلال عملية الاجتهاد واستصدار الاحكام الشرعية ، فالحكم يجب أن يلحظ كل الحيثيات والدوافع ، وأن يحيط بالظروف التي أدت الى ما أدت اليه من ردود فعل دفاعية عن حرمات : الاسلام والانسان والأرض والعرض ، والباديء أظلم ، والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . |